للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيجاب الْعقل على الله شَيْئا الْبَتَّةَ كَمَا صرح بِهِ كثير من الْحَنَفِيَّة والحنابلة كَأبي الْخطاب وَغَيره وَالشَّافِعِيَّة كسعد بن عَليّ الزنجاني الْأَمَام الْمَشْهُور وَغَيره ولهؤلاء فِي نفي الْإِيجَاب الْعقلِيّ من الْمعرفَة بِاللَّه وثبوته خلاف فالأقوال إِذا أَرْبَعَة لَا مزِيد عَلَيْهَا

أَحدهَا نفي الْحسن والقبح وَنفي الْإِيجَاب الْعقلِيّ فِي العمليات دون العلميات كالمعرفة وَهَذَا اخْتِيَار أبي الْخطاب وَغَيره فَعرف أَنه لَا تلازم بَين الْحسن والقبح وَبَين الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم العقليين فَهَذَا أحد المقامين

وَأما الْمقَام الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاء اللَّازِم وثبوته فللناس فِيهِ هَهُنَا ثَلَاثَة طرق

أَحدهمَا الْتِزَام ذَلِك وَالْقَوْل بِالْوُجُوب وَالتَّحْرِيم العقليين شَاهدا وغائبا وَهَذَا قَول الْمُعْتَزلَة وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ بترتب الْوُجُوب شَاهدا وبترتب الْمَدْح والذم عَلَيْهِ وَأما الْعقَاب فَلهم فِيهِ اخْتِلَاف وتفصيل وَمن أثْبته مِنْهُم لم يُثبتهُ على الْوُجُوب الثَّابِت بعد الْبعْثَة وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ أَن الْعَذَاب الثَّابِت بعد الْإِيجَاب الشَّرْعِيّ نوع آخر غير الْعَذَاب الثَّابِت على الْإِيجَاب الْعقلِيّ وَبِذَلِك يجيبون عَن النُّصُوص النافية للعذاب قبل الْبعْثَة وَأما الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم العقليان غَائِبا فهم مصرحون بهما ويفسرون ذَلِك باللزوم الَّذِي أوجبته حكمته وحرمته وَأَنه يَسْتَحِيل عَلَيْهِ خِلَافه كَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الْحَاجة وَالنَّوْم والتعب واللغوب فَهَذَا معنى الْوُجُوب والامتناع فِي حق الله عِنْدهم فَهُوَ وجوب اقتضته ذَاته وحكمته وغناه وَامْتِنَاع يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الاتصاف بِهِ لمنافاته كَمَاله لَهُ وغناه قَالُوا وَهَذَا فِي الْأَفْعَال نَظِير مَا يَقُولُونَهُ فِي الصِّفَات أَنه يجب لَهُ كَذَا وَيمْتَنع عَلَيْهِ كَذَا فقولنا نَحن فِي الْأَفْعَال نَظِير قَوْلكُم فِي الصافت مَا يجب لَهُ مِنْهَا وَمَا يمْتَنع كليه فَكَمَا أَن ذَلِك وجوب وَامْتِنَاع ذاتي يَسْتَحِيل عَلَيْهِ خِلَافه فَهَكَذَا مَا تَقْتَضِيه حكمته وتأباه وجوب وَامْتِنَاع يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الْإِخْلَال بِهِ وان كَانَ مَقْدُورًا لَهُ لكنه لَا يخل بِهِ لكَمَال حكمته وَعلمه وغناه والفرقة الثَّانِيَة منعت ذَلِك جملَة وأحالت القَوْل بِهِ وجوزت على الرب تَعَالَى كل شَيْء مُمكن وَردت الإحالة والامتناع فِي أَفعاله إِلَى غير الْمُمكن من المحالات كالجمع بَين النقيضين وبابه فقابلوا الْمُعْتَزلَة أَشد مُقَابلَة واقتسما طرفِي الإفراط والتفريط ورد هَؤُلَاءِ الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم الَّذِي جَاءَت بِهِ النُّصُوص إِلَى مُجَرّد صدق الْمُخَير فَمَا أخبر بِأَنَّهُ يكون فَهُوَ وَاجِب لتصديق الْعلم لمعلومه والمخبر لخبره وَقد يفسرون التَّحْرِيم بالامتناع عقلا كتحريم الظُّلم على نَفسه فانهم يفسرون الظُّلم بالمستحيل لذاته كالجمع بَين النقيضين وَلَيْسَ عِنْدهم فِي الْمَقْدُور شَيْء هُوَ ظلم يتنزه الله عَنهُ مَعَ قدرته عَلَيْهِ لغناه وحكمته وعدله فَهَذَا قَول هَؤُلَاءِ والفرقة الثَّالِثَة هم الْوسط بَين هَاتين الْفرْقَتَيْنِ فان الْفرْقَة الأولى أوجبت على الله شَرِيعَة بعقولها وَحرمت عَلَيْهِ وأوجبت مَا لم يحرمه على نَفسه وَلم يُوجِبهُ على نَفسه والفرقة الثَّانِيَة جوزت عَلَيْهِ مَا يتعالى ويتنزه عَنهُ لمنافاته حكمته وحمده وكماله والفرقة الْوسط أَثْبَتَت لَهُ مَا أثْبته لنَفسِهِ من الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم الَّذِي هُوَ مُقْتَضى

<<  <  ج: ص:  >  >>