للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْمَائِهِ وَصِفَاته الَّذِي لَا يَلِيق بِهِ نسبته إِلَى ضِدّه لِأَنَّهُ مُوجب كَمَاله وحكمته وعدله وَلم تدخله تَحت شَرِيعَة وَضَعتهَا بعقولها كَمَا فعلت الْفرْقَة الأولى وَلم يجوز عَلَيْهِ مَا نزه نَفسه عَنهُ كَمَا فعلته الْفرْقَة الثَّانِيَة قَالَت الْفرْقَة الْوسط قد أخبر تَعَالَى أَنه حرم الظُّلم على نَفسه كَمَا قَالَ على لِسَان رَسُوله يَا عبَادي أَنى حرمت الظُّلم على نَفسِي وَقَالَ {وَلَا يظلم رَبك أحدا} وَقَالَ {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} وَقَالَ {وَلَا يظْلمُونَ فتيلا} وَقَالَ {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} فَأخْبر عَن تَحْرِيمه على نَفسه وَنفى عَن نَفسه فعله وارادته وَلِلنَّاسِ فِي تَفْسِير هَذَا الظُّلم ثَلَاثَة أَقْوَال بِحَسب أصولهم وقواعدهم أَحدهَا أَن الظُّلم الَّذِي حرمه وتنزه عَن فعله وارادته هُوَ نَظِير الظُّلم من الْآدَمِيّين بَعضهم لبَعض وشبهوه فِي الْأَفْعَال مَا يحسن مِنْهُمَا وَمَا لَا يحسن بعباده فضر بواله من قبل أنفسهم الْأَمْثَال وصاروا بذلك مشبهة ممثلة فِي الْأَفْعَال فامتنعوا من إِثْبَات الْمثل الْأَعْلَى الَّذِي أثْبته لنَفسِهِ ثمَّ ضربوا لَهُ الْأَمْثَال ومثلوه فِي أَفعاله بخلقه كَمَا أَن الْجَهْمِية المعطلة امْتنعت من إِثْبَات الْمثل الْأَعْلَى الَّذِي أثْبته لنَفسِهِ ثمَّ ضربوا لَهُ الْأَمْثَال ومثلوه فِي صِفَاته بالجمادات النَّاقِصَة بل بالمعدومات وَأهل السّنة نزهوه عَن هَذَا وَهَذَا وأثبتوا لَهُ مَا أثْبته لنَفسِهِ من صِفَات الْكَمَال ونزهوه فِيهَا عَن الشّبَه والمثال فأثبتوا لَهُ الْمثل الْأَعْلَى وَلم يضْربُوا لَهُ الْأَمْثَال فَكَانُوا أسعد الطوائف بمعرفته وأحقهم بِالْإِيمَان بِهِ وبولايته ومحبته وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء ثمَّ الْتزم أَصْحَاب هَذَا التَّفْسِير عَنهُ من اللوازم الْبَاطِلَة مَا لَا قبل لَهُم بِهِ

قَالُوا عَن هَذَا التَّفْسِير الْبَاطِل أَنه تَعَالَى إِذا أَمر العَبْد وَلم يعنه بِجَمِيعِ مقدوره تَعَالَى من وُجُوه الْإِعَانَة كَانَ ظَالِما لَهُ والتزموا لذَلِك أَنه لَا يقدر أَن يهدي ضَالًّا كَمَا قَالُوا أَنه لَا يقدر أَن يضل مهتديا وَقَالُوا عَنهُ أَيْضا أَنه إِذا أَمر اثْنَيْنِ بِأَمْر وَاحِد وَخص أَحدهمَا بإعانته على فعل الْمَأْمُور بِهِ كَانَ ظَالِما وَقَالُوا عَنهُ أَيْضا أَنه إِذا اشْترك اثْنَان فِي ذَنْب يُوجب الْعقَاب فعاقب بِهِ أَحدهمَا وَعفى عَن الآخر كَانَ ظَالِما إِلَى غير ذَلِك من اللوازم الْبَاطِلَة الَّتِي جعلُوا لأَجلهَا ترك تسويته بَين عباده فِي فَضله وإحسانه ظلما فعارضهم أَصْحَاب التَّفْسِير الثَّانِي وَقَالُوا الظُّلم المنزه عَنهُ فِي الْأُمُور الممتنعة لذاتها فَلَا يجوز أَن يكون مَقْدُورًا وَلَا أَنه تَعَالَى تَركه بمشيئته واختياره وانما هُوَ من بَاب الْجمع بَين الضدين وَجعل الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين وقلب الْقَدِيم مُحدثا والمحدث قَدِيما وَنَحْو ذَلِك وَألا فَكل مَا يقدره الذِّهْن وَكَانَ وجوده مُمكنا والرب قَادر عَلَيْهِ فَلَيْسَ بظُلْم سَوَاء فعله أَو لم يَفْعَله وتلقى هَذَا القَوْل عَنْهُم طوائف من أهل الْعلم وفسروا الحَدِيث بِهِ وأسندوا ذَلِك وقووه بآيَات وآثار زَعَمُوا أَنَّهَا تدل عَلَيْهِ كَقَوْلِه {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} يَعْنِي لم تتصرف فِي غير ملكك بل أَن عذبت عذبت من تملك وعَلى هَذَا فجوزوا تَعْذِيب كل عبد لَهُ وَلَو كَانَ محسنا وَلم

<<  <  ج: ص:  >  >>