للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا ينقص مِنْهَا بذرة وَلِهَذَا يُسمى تَعَالَى موفيه كَقَوْلِه {وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة} وَقَوله {ووفيت كل نفس مَا عملت وَهُوَ أعلم بِمَا يَفْعَلُونَ} فَترك الظُّلم هُوَ الْعدْل لافعل كل مُمكن وعَلى هَذَا قَامَ الْحساب وَوضع الموازين الْقسْط ووزنت الْحَسَنَات والسيئات وتفاوتت الدَّرَجَات العلى بِأَهْلِهَا والدركات السُّفْلى بِأَهْلِهَا وَقَالَ تَعَالَى {إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة} أَي لَا يضيع جَزَاء من أحسن وَلَو بمثقال ذرة فَدلَّ على أَن اضاعتها وَترك المجازاة بهَا مَعَ عدم مَا يُبْطِلهَا ظلم يتعالى الله عَنهُ وَمَعْلُوم أَن ترك المجازاة عَلَيْهَا مَقْدُور يتنزه الله عَنهُ لكَمَال عدله وحكمته وَلَا تحْتَمل الْآيَة قطّ غير مَعْنَاهَا الْمَفْهُوم مِنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبك بظلام للعبيد} أَي لَا يُعَاقب العَبْد بِغَيْر إساءة وَلَا يحرمه ثَوَاب إحسانه وَمَعْلُوم أَن ذَلِك مَقْدُور لَهُ تَعَالَى وَهُوَ نَظِير قَوْله {أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} فَأخْبر انه لَيْسَ على أحد فِي وزر غَيره شَيْء

وَأَنه لَا يسْتَحق إِلَّا مَا سعاه وَأَن هَذَا هُوَ الْعدْل الَّذِي نزه نَفسه عَن خِلَافه {وَقَالَ الَّذِي آمن يَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم مثل يَوْم الْأَحْزَاب مثل دأب قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} بَين أَن هَذَا الْعقَاب لم يكن ظلما من الله للعباد بل لذنوبهم واستحقاقهم وَمَعْلُوم أَن الْمحَال الَّذِي لَا يُمكن وَلَا يكون مَقْدُورًا أصلا لَا يصلح أَن يمدح الممدوح بِعَدَمِ إِرَادَته وَلَا فعله وَلَا يحمد على ذَلِك وانما يكون الْمَدْح بترك الْأَفْعَال لمن هُوَ قَادر عَلَيْهَا وَأَن يتنزه عَنْهَا لكماله وغناه وحمده وعَلى هَذَا يتم قَوْله أَنى حرمت الظُّلم على نَفسِي وَمَا شاكله من النُّصُوص فاما أَن يكون الْمَعْنى أَنى حرمت على نَفسِي مَا لَا حَقِيقَة لَهُ وَمَا لَيْسَ بممكن مثل خلق مثلى وَمثل جعل الْقَدِيم مُحدثا والمحدث قَدِيما وَنَحْو ذَلِك من المحالات وَيكون الْمَعْنى أَنى أخْبرت عَن نَفسِي بِأَن مَا لَا يكون مَقْدُورًا لَا يكون منى فَهَذَا مِمَّا يتَيَقَّن الْمنصف أَنه لَيْسَ مرَادا فِي اللَّفْظ قطعا وَأَنه يجب تَنْزِيه كَلَام الله وَرَسُوله عَن حَملَة على مثل ذَلِك قَالُوا وَأما استدلالكم بِتِلْكَ النُّصُوص الدَّالَّة على أَنه سُبْحَانَهُ أَن عذبهم فانهم عباده وَأَنه غير ظَالِم لَهُم وَأَنه لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وَأَن قَضَاءَهُ فيهم عدل بمناظرة اياس للقدرية فَهَذِهِ النُّصُوص وأمثالها كلهَا حق يجب القَوْل بموجبها وَلَا تحرف مَعَانِيهَا وَالْكل من عِنْد الله وَلَكِن أَي دَلِيل فِيهَا يدل على أَنه تَعَالَى يجوز عَلَيْهِ أَن يعذب أهل طَاعَته وينعم أهل مَعْصِيَته وَأَنه يعذب بِغَيْر جرم وَيحرم المحسن جَزَاء عمله وَنَحْو ذَلِك بل كلهَا متفقة مُتَطَابِقَة دَالَّة على كَمَال الْقُدْرَة وَكَمَال الْعدْل وَالْحكمَة فالنصوص الَّتِي ذَكرنَاهَا تَقْتَضِي كَمَال عدله وحكمته وغناه وَوَضعه الْعقُوبَة وَالثَّوَاب مواضعهما وَأَنه لَا يعدل بهما عَن سُنَنهمَا والنصوص الَّتِي ذكرتموها تَقْتَضِي كَمَال قدرته وانفراده بالربوبية وَالْحكم وَأَنه لَيْسَ فَوْقه آمُر وَلَا ناه يتعقب أَفعاله بسؤال وَأَنه

<<  <  ج: ص:  >  >>