للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فَأدْخل الْمُؤمنِينَ من الصابئين فِي أهل السَّعَادَة وَلم ينالوا ذَلِك إِلَّا بِالْإِيمَان بالرسل وَلَكِن مِنْهُم من أنكر النبوات وَعبد الْكَوَاكِب وهم فرق كَثِيرَة لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهم فَأَما قَوْلهم أَن الموجودات فِي الْعَالم السُّفْلى مركبة فِي تَأْثِير الْكَوَاكِب والروحانيات وَفِي اتصالها سعود ونحوس يُوجب أَن يكون فِي آثارها حسن وقبح فِي الْأَخْلَاق والأعمال يُدْرِكهُ كل ذِي عقل سليم فَلَا حَاجَة لنا إِلَيّ من يعرفنا حسنها وقبحها إِلَيّ آخر كَلَامهم فَكَلَام من هُوَ أَجْهَل النَّاس وأضلهم وأبعدهم عَن الإنسانية وَقَائِل هَذِه الْمقَالة مُنَاد على نَفسه أَنه لم يعرف فاطره فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا صِفَاته وَلَا أَفعاله بل وَلَا عرف نَفسه الَّتِي بَين جَنْبَيْهِ وَلَا مَا يسعدها ويشقيها وَلَا غايتها وَلَا لماذا خلقت وَلَا بِمَاذَا تكمل وَتصْلح وبماذا تفْسد وتهلك بل هُوَ أَجْهَل النَّاس بِنَفسِهِ وبفاطرها وبارئها وَهل يتَمَكَّن الْعقل بعد معرفَة النَّفس وَمَعْرِفَة فاطرها ومبدعها أَن يجْحَد النُّبُوَّة أَو يجوز على الله وعَلى حكمته أَن يتْرك النَّوْع البشري الَّذِي هُوَ خُلَاصَة الْمَخْلُوقَات سدى ويدعهم عملا معطلا ويخلقهم عَبَثا بَاطِلا وَمن جوز ذَلِك على الله سُبْحَانَهُ فَمَا قدره حق قدره بل وَلَا عرفه وَلَا آمن بِهِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا قدرُوا الله حق قدره إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} فَأخْبر تَعَالَى أَن من جحد رسالاته فَمَا قدره حق قدره وَلَا عرفه وَلَا عظمه وَلَا نزهه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا ثمَّ يُقَال لهَذِهِ الطَّائِفَة بِمَاذَا عَرَفْتُمْ أَن الموجودات بالعالم السفلي كلهَا مركبة على تَأْثِير الْكَوَاكِب والروحانيات وَهل هَذَا إِلَّا كذب بحت وبهت فَهَب أَن بعض الْآثَار الْمُشَاهدَة مسبب عَن تَأْثِير بعض الْكَوَاكِب والعلويات كَمَا يُشَاهد من تَأْثِير الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْحَيَوَان والنبات وَغَيرهمَا فَمن أَيْن لكم أَن جَمِيع أَجزَاء الْعَالم السفلي صادر عَن تَأْثِير الْكَوَاكِب والروحانيات وَهل هَذَا إِلَّا كذب وَجَهل فَهَذَا الْعَالم فِيهِ من التَّغَيُّر والاستحالة والكون وَالْفساد مَالا يُمكن إِضَافَته إِلَيّ كَوْكَب وَلَا يتَصَوَّر وُقُوعه إِلَّا بِمَشِيئَة فَاعل مُخْتَار قَادر مُؤثر فِي الْكَوَاكِب والروحانيات مسخر لَهَا بقدرته مُدبر لَهَا بِمَشِيئَة كَمَا تشهد عَلَيْهَا أحوالها وهيآتها وتسخيرها وانقيادها أَنَّهَا مُدبرَة مربوبة مسخرة بِأَمْر قَادر قاهر يصرفهَا كَيفَ يَشَاء ويدبرها كَمَا يُرِيد لَيْسَ لَهَا من الْأَمر شَيْء وَلَا يُمكن أَن تتصرف فِي أَنْفسهَا بذرة فضلا أَن تُعْطى العلام وجوده فَلَو أَرَادَت حَرَكَة غير حركتها أَو مَكَانا غير مَكَانهَا أَو هَيْئَة أَو حَالا غير مَا هِيَ عَلَيْهِ لم تَجِد إِلَيّ ذَلِك سَبِيلا فَكيف تكون رَبًّا لكل مَا تحتهَا مَعَ كَونهَا عاجزة مصرفة مقهورة مسخرة آثَار الْفقر مسطورة فِي صفحاتها وآيات الْعُبُودِيَّة والتسخير

<<  <  ج: ص:  >  >>