للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بادية عَلَيْهَا فَبِأَي اعْتِبَار نظر إِلَيْهَا الْعَاقِل رأى آثَار الْفقر وشواهد الْحُدُوث وأدلة التسخير والتصريف فِيهَا فَهِيَ خلق من لَيْسَ كمثله شَيْء وآيات من آيَاته عبيد مسخرات بأَمْره الْإِلَه الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين وَأما قَوْلهم أَن فِي اتصالات الْكَوَاكِب نظر سعود ونحوس مِمَّا أضحكوا بِهِ الْعُقَلَاء عَلَيْهِم من جَمِيع الْأُمَم وَنَادَوْا بِهِ على جهلهم وصاروا بِهِ مركزا لكل كَذَّاب وكل أفاك وكل زنديق وكل مفرط فِي الْجَهْل بالنبوات وَمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل بالحقائق الْعَقْلِيَّة والبراهين اليقينية وسنريك طرفا من جهالاتهم وكذبهم وتناقضهم وَبطلَان مقالتهم ليعرف اللبيب نعْمَة الله عَلَيْهِ فِي عقله وَدينه

فَيُقَال لَهُم الْمُؤثر فِي هَذِه السُّعُود والنحوس هَل هُوَ الْكَوْكَب وَحده والبرج وَحده أَو الْكَوْكَب بِشَرْط حُصُوله فِي البرج وَالْكل محَال أما الأول وَالثَّانِي فانهما يوجبان دوَام الْأَثر لكَون الْمُؤثر دَائِم الثُّبُوت وَالثَّالِث أَيْضا محَال لِأَنَّهُ لما اخْتلف أثر الْكَوْكَب بِسَبَب اخْتِلَاف البرجين لزم أَن تكون طبيعة كل برج مُخَالفَة بالماهية لطبيعة البرج الثَّانِي إِذْ لَو لم يكن كَذَلِك كَانَت طبائع جَمِيع البروج مُتَسَاوِيَة فِي تَمام الْمَاهِيّة فَوَجَبَ أَن يكون أثر الْكَوْكَب فِي جَمِيع البروج أثرا وَاحِدًا لِأَن الْأَشْيَاء المتساوية فِي تَمام الْمَاهِيّة يمْتَنع أَن تلزمها لَوَازِم مُخْتَلفَة وَلما كَانَت آثَار كل كَوْكَب وَاجِبَة الِاخْتِلَاف بِسَبَب اخْتِلَاف البروج لزم الْقطع بِكَوْن البروج مُخْتَلفَة فِي الطبيعة والماهية وَهَذَا يَقْتَضِي كَون الْفلك مركبا لَا بسيطا وَقد قُلْتُمْ أَنْتُم وَجَمِيع الفلاسفة أَن الْفلك بسيط لَا تركيب فِيهِ وَمن الْعجب جَوَاب بعض الأحكاميين عَن هَذَا بَان الْكَوَاكِب حيوانات ناطقة فاعلة بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَار فَلذَلِك تصدر عَنْهَا الْأَفْعَال الْمُخْتَلفَة وَهَذَا مُكَابَرَة من هَؤُلَاءِ ظَاهِرَة فان دَلَائِل التسخير والاضطرار عَلَيْهَا من لُزُومهَا حَرَكَة لَا سَبِيل لَهَا إِلَيّ الْخُرُوج عَنْهَا ولزومها موضعا من الْفلك لَا تتمكن من الِانْتِقَال عَنهُ واطراد سَيرهَا على وَجه مَخْصُوص لَا تُفَارِقهُ الْبَتَّةَ أبين دَلِيل على أَنَّهَا مسخرة مقهورة على حركاتها محركة بتحريك قاهر لَا متحركة بإرادتها واختيارها كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين} ثمَّ يُقَال لَا ينفعكم هَذَا الْجَواب شَيْئا فان طبائع البروج أَن كَانَت مُتَسَاوِيَة فِي تَمام الْمَاهِيّة كَانَ اخْتِصَاص كل برج بأثره الْخَاص تَرْجِيحا لأحد طرفِي الْمُمكن على الآخر بِلَا مُرَجّح وان لم تكن مُتَسَاوِيَة لزم تركيب الْفلك وَمِمَّا أضحكتم بِهِ الْعُقَلَاء مِنْكُم أَنكُمْ جعلتموها أجساما ناطقة فاعلة بِالِاخْتِيَارِ ونفيتم أَن يكون فاطرها ومبدعها حَيا قيوما فَاعِلا بِالِاخْتِيَارِ وَهَذِه الْحَوَادِث مستندة إِلَيّ مَشِيئَته واختياره جَارِيَة على وفْق حكمته وَعلمه مَعَ كَون هَذِه الْكَوَاكِب عبيده وَخلق مسخر بأَمْره وَلَا تملك لأنفسها وَلَا لما تحتهَا ضرا وَلَا نفعا وَلَا سَعْدا وَلَا نحسا كَمَا قَالَه الْعُقَلَاء من بني آدم واتفقت عَلَيْهِ الرُّسُل وأتباعهم فان قيل لَا نسلم أَن الْفلك بسيط بل هُوَ مركب من هَذِه

<<  <  ج: ص:  >  >>