للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البروج وطبيعة كل برج مُخَالفَة لطبيعة البرج الآخر بل طبيعة كل دقيقة وثانية مُخَالفَة لطبيعة الدقيقة الْأُخْرَى وَالثَّانيَِة الْأُخْرَى وَلَا يتم علم الْأَحْكَام إِلَّا بِهَذَا قيل قَوْلكُم بِأَنَّهُ قديم أبدى غير قَابل للكون وَالْفساد وَلَا يقبل الانحلال وَلَا الْخرق وَلَا الالتئام مَعَ كَون طبيعة كل جُزْء مِنْهُ صَغِيرا أَو كَبِيرا مُخَالفَة لطبيعة الْجُزْء الآخر كَمَا صرح بِهِ أَبُو معشر جمع بَين النقيضين فانه إِذا كَانَ مركبا من أَجزَاء مُخْتَلفَة الْمَاهِيّة لم يمْتَنع انحلاله وانفطاره وانشقاقه فَكيف جمعتم بَين تَكْذِيب الرُّسُل فِي الْأَخْبَار عَن انْقِطَاعه وانشقاقه وانحلاله وَبَين دعواكم تركبه من ماهيات مُخْتَلفَة فِي نَفسهَا غير مُمْتَنع على الْمركب مِنْهَا الانحلال لَهُ والانفطار فَلَا للرسل صَدقْتُمْ وَلَا مَعَ وجوب الْعقل وقفتم بل أَنْتُم من أهل هَذِه الْآيَة {وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير} فان قيل لم لَا يجوز أَن يُقَال أَن كل برج من البروج الاثنى عشر قد ارتسمت فِيهِ كواكب صَغِيرَة بلغت فِي الصغر إِلَيّ حَيْثُ لَا يمكننا أَن نحس بهَا ثمَّ أَن الْكَوَاكِب إِذا وَقع فِي مسامتة برج خَاص امتزج نور ذَلِك الْكَوْكَب بأنوار تِلْكَ الْكَوَاكِب الصغار المرتسمة فِي تِلْكَ الْقطعَة فِي الْفلك فَيحصل بِهَذَا السَّبَب آثَار مَخْصُوصَة وَإِذا كَانَ هَذَا مُحْتملا وَلم يبطل بِالدَّلِيلِ ثُبُوته تعين الْمصير إِلَيْهِ قيل طبائع تِلْكَ الْكَوَاكِب أَن كَانَت مُخْتَلفَة بالماهية عَاد الْمَحْذُور الْمَذْكُور وان كَانَت وَاحِدَة لم يكن ذَلِك الامتزاج متشابها فَلَا يتَصَوَّر صور الْآثَار المتضادة الْمُخْتَلفَة عَنهُ

الْوَجْه الثَّانِي فِي الْكَلَام على بطلَان علم الْأَحْكَام أَن معرفَة جَمِيع المؤثرات الفلكية ممتنعة وَإِذا كَانَ كَذَلِك امْتنع الِاسْتِدْلَال بالأحوال الفلكية على حُدُوث الْحَوَادِث السفلية وانما قُلْنَا أَن معرفَة جَمِيع المؤثرات الفلكية ممتنعة لوجوه أَحدهَا أَنه لَا سَبِيل إِلَيّ معرفَة الْكَوَاكِب إِلَّا بِوَاسِطَة القوى الباصرة والمرئي إِذا كَانَ صَغِيرا أَو فِي غَايَة الْبعد من الرَّائِي فانه يتَعَذَّر رُؤْيَته لذَلِك فان أَصْغَر الْكَوَاكِب الَّتِي فِي فلك الثوابت وَهُوَ الَّذِي تمتحن بِهِ قُوَّة الْبَصَر مثل كرة الأَرْض بضعَة عشر مرّة وكرة الأَرْض اعظم من كرة عُطَارِد كَذَا مرّة فَلَو قَدرنَا أَنه حصل فِي الْفلك الْأَعْظَم كواكب كَثِيرَة يكون حجم كل وَاحِد مِنْهَا مُسَاوِيا لحجم عُطَارِد فانه لَا شكّ أَن الْبَصَر لَا يقوى على إِدْرَاكه فَيثبت أَنه لَا يلْزم من عدم إبصارنا شَيْئا من الْكَوَاكِب فِي الْفلك الْأَعْظَم عدم تِلْكَ الْكَوَاكِب وَإِذا كَانَ كَذَلِك فاحتمال أَن فِي الْفلك الْأَعْظَم وَفِي فلك الثوابت وَفِي سَائِر الأفلاك كواكب صَغِيرَة وان كُنَّا لَا نحس بهَا وَلَا نرَاهَا يُوجب امْتنَاع معرفَة جَمِيع المؤثرات الفلكية فان قُلْتُمْ أَنَّهَا لما كَانَت صَغِيرَة وآثارها ضَعِيفَة لم تصل آثارها وقواها إِلَيّ هَذَا الْعَالم قيل لكم صغر الْجنَّة لَا يُوجب ضعف الْأَثر فان عُطَارِد أَصْغَر الأجرام الفلكية جرما عنْدكُمْ مَعَ أَن آثاره قَوِيَّة وَأَيْضًا فالرأس والذنب نقطتان وهميتان واما أَنْتُم فقد أثبتم لَهما آثارا وَأَيْضًا السِّهَام مثل سهم السَّعَادَة وَسَهْم الْغَيْب نقط

<<  <  ج: ص:  >  >>