للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهمية وَلها عنْدكُمْ آثَار قَوِيَّة

الْوَجْه الثَّانِي مِمَّا يدل على أَن معرفَة جَمِيع المؤثرات الفلكية غير مَعْلُوم أَن الْكَوَاكِب المرئية غير مرصودة بأسرها فأنكم أَنْتُم وغيركم قد قُلْتُمْ أَن المجرة عبارَة عَن أجرام كوكبية صَغِيرَة جدا مرتكزة فِي فلك الثوابت على هَذَا السمت الْمَخْصُوص وَلَا ريب أَن الْوُقُوف على طبائعها متعذرة وَثَالِثهَا أَن جَمِيع الْكَوَاكِب الثَّابِتَة المحسوسة لم يحصل الْوُقُوف التَّام على طبائعها لِأَن كَلَام الأحكاميين قيل الْحَاصِل لَا سِيمَا فِي طبائع الثوابت نعم غَايَة مَا عِنْدهم أَنهم ادعوا أَنهم كشفوا بعض الثوابت الَّتِي فِي الْفلك الأول وَالثَّانِي فَأَما الْبَقِيَّة فقلما تكلمُوا فِي معرفَة طبائعها وَرَابِعهَا أَن بِتَقْدِير أَنهم عرفُوا طبائع هَذِه الْكَوَاكِب حَال بساطتها لَكِن لَا شُبْهَة أَنه لَا يُمكن الْوُقُوف على طبائعها حَال امتزاج بَعْضهَا بِالْبَعْضِ لِأَن الامتزاجات الْحَاصِلَة من طبائع ألف كَوْكَب أَو أَكثر بِحَسب الْأَجْزَاء الفلكية يبلغ فِي الْكَثْرَة إِلَيّ حَيْثُ لَا يقدر الْعقل على ضَبطهَا وخامسها آلَات الرصد لَا تفي بضبط الثواني والثوالث وَلَا شكّ أَن الثَّانِيَة الْوَاحِدَة مثل الأَرْض كَذَا كَذَا ألف مرّة أَو أقل أَو أَكثر وَمَعَ هَذَا التَّفَاوُت الْعَظِيم كَيفَ يُمكن الْوُصُول إِلَيّ الْغَرَض حَيْثُ قيل أَن الْإِنْسَان الشَّديد الجري بَين رَفعه رجله وَوَضعه الْأُخْرَى يَتَحَرَّك جرم الْفلك الْأَقْصَى ثَلَاثَة آلَاف ميل وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَكيف ضبط هَذِه المؤثرات وسادسها هَب أَنا عرفنَا تِلْكَ الامتزاجات الْحَاصِلَة فِي ذَلِك الْوَقْت فَلَا ريب أَنه لَا يمكننا معرفَة الامتزاجات الَّتِي كَانَت حَاصِلَة قبله مَعَ أَنا نعلم قطعا أَن الأشكال السالفة رُبمَا كَانَت عائقة ومانعة عَن مقتضيات الأشكال الْحَاصِلَة فِي الْحَال وَلَا ريب أَنا نشاهد أشخاصا كَثِيرَة من النَّبَات وَالْحَيَوَان وَالْإِنْسَان مُقَارنَة لطالع وَاحِد مَعَ أَن كل وَاحِد مِنْهَا مُخَالف للْآخر فِي أَكثر الْأُمُور وَذَلِكَ أَن الْأَحْوَال السالفة فِي حق كل تكون مُخَالفَة للأحوال السالفة فِي حق الآخر وَذَلِكَ يدل أَنه لَا اعْتِمَاد على مُقْتَضى الْوَقْت بل لَا بُد من الْإِحَاطَة بالطوالع السالفة وَذَلِكَ مِمَّا لَا وقُوف عَلَيْهِ أصلا فانه رُبمَا كَانَت الطوالع السالفة دافعة مقتضيات هَذَا الطالع الْحَاضِر وعَلى هَذَا الْوَجْه عول ابْن سينا فِي كِتَابيه اللَّذين سماهما الشفا والنجاه فِي إبِْطَال هَذَا الْعلم فَثَبت بِهَذَا أَن الْوُقُوف التَّام على المؤثرات جَمِيعهَا مُمْتَنع مُسْتَحِيل وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك كَانَ الِاسْتِدْلَال بالأشخاص الفلكية على الْأَحْوَال السفلية بَاطِلا قطعا الْوَجْه الثَّالِث أَن تَأْثِير الْكَوَاكِب فِيمَا ذكرْتُمْ من السعد والنحس أما بِالنّظرِ فِي مفرده واما بِالنّظرِ إِلَيّ انضمامه إِلَى غَيره فَمَتَى لم يحط المنجم بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ لم يَصح مِنْهُ أَن يحكم لَهُ بتأثير وَلم يحصل إِلَّا على تعَارض التَّقْدِير وَمن الْمَعْلُوم أَن فِي فلك البروج كواكب شذت عَن الرصد معرفَة أقدراها وأعدادها وَلم يعرف الأحكاميون مَا يُوجِبهُ خَواص مجموعاتها وأفرادها فَخرج الْفَرِيقَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>