للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخذهم فِي ذَلِك بحدود الضربين وَذَلِكَ من أدل الدَّلَائِل على فَسَاد هَذَا الْعلم الرَّابِع أَن أَقْوَالهم متناقضة فان مِنْهُم من يَقُول كَون زحل فِي بَيت المَال دَلِيل الْفقر وَمِنْهُم من يَقُول يدل على وجدان كنز

الْخَامِس أَن هَذَا الْعلم مَعَ أَنه تَقْلِيد مَحْض فَلَيْسَ أَيْضا تقليدا منتظما لِأَن لكل قوم فِيهِ مذهبا وَلكُل طَائِفَة فِيهِ مقَالَة فللبابليين فِيهِ مَذْهَب وللفرس مَذْهَب آخر وللهند مَذْهَب وللصين مَذْهَب رَابِع والأقوال إِذا تَعَارَضَت وَتعذر التَّرْجِيح كَانَ دَلِيلا على فَسَادهَا وبطلانها وَسَيَأْتِي أَن شَاءَ الله بسط هَذِه الْوُجُوه أَكثر من هَذَا

الْوَجْه السَّابِع مِمَّا يدل على بطلَان القَوْل بِالْأَحْكَامِ أَن الطالع عِنْدهم هُوَ الشكل الْخُصُوص الْحَاصِل للفلك عِنْد انْفِصَال الْوَلَد من رحم أمه وَإِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول الِاسْتِدْلَال بِحُصُول ذَلِك الشكل على جَمِيع الْأَحْوَال الْكُلية الَّتِي تحصل لهَذَا الْوَلَد إِلَيّ آخر عمره اسْتِدْلَال بَاطِل قطعا وَيدل عَلَيْهِ وُجُوه:

أَحدهَا أَن ذَلِك الشكل كَمَا حدث فِي تِلْكَ اللحظة فانه يفنى وَيَزُول وَيحدث شكل آخر فَذَلِك الشكل الْمعِين معد فِي جَمِيع أَجزَاء عمر هَذَا الْإِنْسَان والمعدوم لَا يكون عِلّة للموجود وَلَا جُزْء من أَجزَاء الْعلَّة وَإِذا كَانَ كَذَلِك امْتنع الِاسْتِدْلَال بذلك الشكل مِنْهُمَا على الْأَحْوَال الَّتِي تحدث فِي جَمِيع أَجزَاء الْعُمر

الثَّانِي أَنه لَا مشابهة بَين ذَلِك الشكل الْمَخْصُوص وَبَين هَذَا الْإِنْسَان الَّذِي انْفَصل من بطن الْأُم إِلَّا فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ أَن كل وَاحِد ظهر بعد الخفاء وَهُوَ بِمُجَرَّد ذَلِك لَا يُوجب ارتباط ذَلِك الشكل الْمَخْصُوص للفلك بِسَائِر أَحْوَال هَذَا الْإِنْسَان الْبَتَّةَ فمدعى ذَلِك فَاسد الْعقل

وَالنَّظَر الثَّالِث أَنه عِنْد حُدُوث ذَلِك الطالع حدثت أَنْوَاع من الْحَيَوَانَات وأنواع من النَّبَات وأنواع من الجمادات فَلَو كَانَ ذَلِك يُوجب آثارا مَخْصُوصَة لوَجَبَ اشْتِرَاك كل الْأَشْيَاء الَّتِي حدثت فِي عالمنا هَذَا فِي ذَلِك الْوَقْت فِي تِلْكَ الْآثَار وَحَيْثُ لم يكن الْأَمر كَذَلِك علمنَا أَن القَوْل بتأثير الطالع بَاطِل الرَّابِع هَب أَن الطالع لَهُ أثر إِلَّا أَن الْوَاجِب أَن يُقَال الطالع الْمُعْتَبر هُوَ طالع مسْقط النُّطْفَة لَا طالع الْولادَة وَذَلِكَ لِأَن عِنْد مسْقط النُّطْفَة يَأْخُذ ذَلِك الشَّخْص فِي التكون والتولد فَأَما عِنْد الْولادَة فالشخص قد تمّ تكونه وحدوثه وَلَا حَادث فِي هَذَا الْوَقْت إِلَّا انْتِقَاله من مَكَان إِلَيّ مَكَان آخر فَثَبت أَنه لَو كَانَ للطالع اعْتِبَار لوَجَبَ أَن يكون الْمُعْتَبر هُوَ طالع مسْقط النُّطْفَة لَا طالع الْولادَة الْوَجْه الثَّامِن أَن الأرصاد لَا تنفك عَن نوع الْخلَل والزلل وَقد صنف أَبُو عَليّ ابْن الْهَيْثَم رِسَالَة بليغة فِي أَقسَام الْخلَل الْوَاقِع فِي آلَات الرصد وَبَين أَن ذَلِك الْخلَل لَيْسَ فِي وسع الْإِنْسَان دَفعه وازالته وَإِذا عرف هَذَا فَنَقُول إِذا بعد الْعَهْد بتجديد الرصد اجْتمعت تِلْكَ المسامحات القليلة وَيحصل بِسَبَبِهَا تفَاوت عَظِيم فِي مَوَاضِع الْكَوَاكِب وَكَذَلِكَ إِذا وجد مَوضِع الْكَوَاكِب

<<  <  ج: ص:  >  >>