للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنجم وَقَالَ من أَيهمَا يَقْتَضِي الطالع خروجي فَإِذا قَالَ لَهُ المنجم من الشَّرْقِي أمكنه تَكْذِيبه وَالْخُرُوج من الغربي وَبِالْعَكْسِ وَكَذَلِكَ السّفر فِي يَوْم وَاحِد وَابْتِدَاء الْبناء وَغَيره فِي يَوْم يُعينهُ لَهُ المنجم وَيحكم باقتضاء الطالع لَهُ من غير تقدم عَنهُ وَلَا تَأَخّر فانه يُمكنهُ تَكْذِيبه فِي ذَلِك اجْمَعْ

فان قُلْتُمْ أَن المنجم إِذا اخبره بِمَا يَفْعَله ويختاره يصير ذَلِك دَاعيا لَهُ إِلَيّ أَن يُخَالِفهُ فِي قَوْله ويكذبه فالطريق إِلَيّ علم صدقه أَن يحكم ذَلِك المنجم على معِين ويكتبه فِي كتاب ويخفيه أَو يذكرهُ لإِنْسَان أخر ويخفيه عَن صَاحب الْوَاقِعَة فههنا يظْهر صدق المنجم

قلت هَذَا الْعذر من أسقط الْأَعْذَار لِأَن النُّجُوم لَو كَانَت كَمَا تَزْعُمُونَ دَالَّة على جَمِيع الكائنات الْوَاقِعَة فِي هَذَا الْعَالم لعرف المنجم ذَلِك الَّذِي يسْتَقرّ عَلَيْهِ اخْتِيَاره على كل حَال شَاءَ تَكْذِيبه أَو لم يشأه فَلَمَّا لم يكن الْأَمر كَذَلِك سقط القَوْل بِصِحَّة هَذَا الْعذر فان قيل الْأَشْخَاص الفلكية مؤثرات والسفلية قوابل وَيجوز أَن تخْتَلف الْأَحْوَال الصادرة عَن الْفَاعِل بِسَبَب اخْتِلَاف القوابل وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهَب أَن الدَّلَائِل الفلكية دلّت على أَنه إِنَّمَا يخْتَار الْخُرُوج من الْبَاب الْفُلَانِيّ لِأَن كَون الْإِنْسَان مشغوفا بتكذيب المنجم حَالَة حَاصِلَة فِي النَّفس مَانِعَة من ظُهُور ذَلِك الْأَثر الَّذِي تَقْتَضِيه الموجبات الفلكية فَلهَذَا الْأَمر لم يحصل الْأَمر على وفْق حكم المنجم

قيل إِذا اقْتَضَت الموجبات الفلكية أثرا امْتنع أَن يحصل فِي النَّفس مَا يضاده لِأَن تِلْكَ الْإِرَادَة والميول والعزوم الْوَاقِعَة فِي النَّفس هِيَ عنْدكُمْ من مُوجبَات الْآثَار الفلكية فَيمْتَنع أَن تكون مضادة لموجبها لَا سِيمَا والمنجم يحكم بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَقْتَضِي النُّجُوم أَن يُرِيد الْإِنْسَان كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ حكمه أَن الطالع يَقْتَضِي كَذَا وَكَذَا إِلَّا أَن يُرِيد الْإِنْسَان خِلَافه هَذَا مَا لَا يَقُوله أحد مِنْكُم فَعلم بطلَان هَذَا الِاعْتِذَار الْوَجْه السَّابِع عشر أَنه لَا سَبِيل إِلَيّ معرفَة طبائع البروج وطبائع الْكَوَاكِب وامتزاجاتها إِلَّا بالتجربة وَأَقل مَا لَا بُد مِنْهُ فِي التجربة أَن يحصل ذَلِك الشَّيْء على حَالَة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ إِلَّا أَن الْكَوَاكِب لَا يُمكن تَحْصِيل ذَلِك فِيهَا لِأَنَّهُ إِذا حصل كَوْكَب معِين فِي مَوضِع معِين فِي الْفلك وَكَانَت سَائِر الْكَوَاكِب مُتَّصِلَة بِهِ على وضع مَخْصُوص وشكل مَخْصُوص فان ذَلِك الْوَضع الْمعِين بِحَسب الدرجَة والدقيقة لَا يعود إِلَّا بعد أُلُوف من السنين وَعمر الْإِنْسَان الْوَاحِد لَا يَفِي بذلك بل عمل الْبشر لَا يَفِي بِهِ والتواريخ الَّتِي تضبط هَذِه الْمدَّة مِمَّا لَا يُمكن وصولها إِلَى الْإِنْسَان فَثَبت أَنه لَا سَبِيل إِلَيّ الْوُصُول إِلَيّ هَذِه الْأَحْوَال من جِهَة التجربة الْبَتَّةَ وَلَا ينفعكم اعتذار من اعتذر عَنْكُم بِأَنَّهُ لَا حَاجَة فِي التجربة إِلَيّ مَا ذكرْتُمْ لأَنا إِذا شاهدنا حَادِثا معينا فِي وَقت مَخْصُوص فَلَا شكّ أَنه قد تحصل فِي الْفلك اتصالات الْكَوَاكِب الْمُخْتَلفَة فِي ذَلِك الْوَقْت فَلَو قَدرنَا عود ذَلِك الْوَضع الفلكي بِتَمَامِهِ على تِلْكَ الْحَال ألف مرّة يعلم أَن الْمُؤثر فِي ذَلِك الْحَادِث هَل مَجْمُوع الاتصالات أَو اتِّصَال معِين مِنْهَا فَإِذا علمنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>