للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَرَبيَّة والعجمية فَلَمَّا ملكهَا أَسد الدّين شيركوه بن شادي ثمَّ ابْن أَخِيه الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَمَعَ ذَلِك المصريون قائمون بدعوة العاضد عبد الله بن يُوسُف توهم الْجُهَّال أَن مَا قَالَ المنجمون من قبل حَقًا لتبدل اللِّسَان وَحَال الدعْوَة مستبقي فَلَمَّا رد صَلَاح الدّين الدعْوَة إِلَى بني الْعَبَّاس انْكَشَفَ الْأَمر وَزَالَ الالتباس وَظهر كذب المنجمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَكَانَت الْمدَّة بَين وضع الأساس وانقراض دولة الْمَلَاحِدَة مِنْهَا نَحْو مائَة وَثَلَاثَة وَتِسْعين عَاما فنقض انْقِطَاع دولتهم على المنجمين أحكامهم وَخرب دِيَارهمْ وأهتك أستارهم وكشف أسرارهم وأجرى الله سُبْحَانَهُ تكذيبهم والطعن عَلَيْهِم على لِسَان الْخَاص وَالْعَام حَتَّى اعتذر من اعتذر مِنْهُم بِأَن البنائين كَانُوا قد سبقوا الرصادين إِلَى وضع الأساس وَلَيْسَ هَذَا من بهت الْقَوْم ووقاحتهم بِبَعِيد فانه لَو كَانَ كَذَلِك لرَأى الْحَاضِرُونَ تَبْدِيل الْبناء وتغييره فانه لَو دخلهم شكّ فِي تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو سبق بِمَا دون الدقيقة فِي التَّعَذُّر لما سامحوا بذلك مَعَ الْمُقْتَضى التَّام وَالطَّاعَة الظَّاهِرَة وَالِاحْتِيَاط الَّذِي لَا مزِيد فَوْقه وَلَيْسَ فِي تبديله حجر أَو تحويله بِرَفْعِهِ وَوَضعه كَبِير أَمر على البنائين وَلَا مشقه وقرائن الْأَحْوَال فِي إِقَامَة دولة بتقريرها وإنشاء قَاعِدَة بتحريرها شاهدة بِأَن الْغَفْلَة عَن مثل هَذَا الْخطب الجسيم مِمَّا لَا يسامح بهَا الْبَتَّةَ ويالله الْعجب كَيفَ لم يظْهر سبق البنائين للراصدين إِلَّا بعد انْقِرَاض دولة الْمَلَاحِدَة وَأما مُدَّة بَقَاء دولتهم فَكَانَ الْبناء مُقَارنًا للطالع المرصود فَهَل فِي البهت فَوق هَذَا

وَمن ذَلِك اتِّفَاقهم سنة خمس وَتِسْعين وثلاثمائة فِي أَيَّام الْحَاكِم على أَنَّهَا السّنة الَّتِي يَنْقَضِي فِيهَا بِمصْر دولة العبيديين هَذَا مَعَ اتِّفَاق أُولَئِكَ على أَن دعوتهم لَا تَنْقَطِع من الْقَاهِرَة وَذَلِكَ عِنْد خُرُوج الْوَلِيد بن هِشَام الْمَعْرُوف بِأبي ركوة الْأمَوِي وَحكم الطالع لَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْقَاطِع لدَعْوَة العبيديين وَأَنه لَا بُد أَن يستولي على الديار المصرية وَيَأْخُذ الْحَاكِم أَسِيرًا وَلم يبْق بِمصْر منجم إِلَّا حكم بذلك وأكبرهم الْمَعْرُوف الفكري منجم الْحَاكِم وَكَانَ أَبُو ركوة قد ملك برقة وأعمالها وَكَثُرت جموعه وقويت شوكته وَخرجت إِلَيْهِ جيوش الْحَاكِم من مصر فَعَادَت مغلوبة فَلم يشك النَّاس فِي حذق المنجمين وَكَانَ من تَدْبِير الْحَاكِم أَن دَعَا خَواص رِجَاله وَأمرهمْ أَن يعملوا بِمَا رَآهُ من احتياله وَهُوَ أَن يكاتبوا أَبَا ركوة بِأَنَّهُم على مذْهبه وَأَنَّهُمْ مائلون عَن الدعْوَة الحاكمية وراغبون فِي الدعْوَة الوليدية الأموية وأطمعوه بِكُل مَا أوهموه بِهِ أَنهم صَادِقُونَ وَله مناصحون فَلَمَّا وثق بِمَا قَالُوهُ وخفى عَلَيْهِ مَا احتالوه زحف بعساكره حَتَّى نزل موسيم على ثَلَاثَة فراسخ من مصر فَخرجت إِلَيْهِ الْعَسْكَر الحاكمية فهزمته فتحقق أَنَّهَا كَانَت خديعة فهرب وَقتل خلق كثير من عسكره وَطلب فَأخذ أَسِيرًا وَدخل بِهِ الْقَاهِرَة على جمل مَشْهُور ثمَّ أَمر الْحَاكِم بقتْله بعد مَا أحضر بَين يَدَيْهِ مغلولا بغل من حَدِيد وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>