للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتِلَاف الْعَادَات وَالسّنَن

قَالَ وَيجب على من نظر فِي هَذِه الْأَشْيَاء على الْمَذْهَب الطبيعي إِن يتشبث أبدا بالأسباب الأول الصَّحِيحَة لِئَلَّا يغلط بِسَبَب اشْتِبَاه المواليد فَيَقُول مثلا أَن الْمَوْلُود فِي بِلَاد الْحَبَش يكون أَبيض اللَّوْن سبط الشّعْر وَأَن الْمَوْلُود فِي بِلَاد الرّوم أسود اللَّوْن جعد الشّعْر أَو يغلط أَيْضا فِي السّنَن والعادات الَّتِي يخص بهَا بعض الْأُمَم فِي الباه فَيَقُول مثلا أَن الرجل من أهل انطاكية يتَزَوَّج بأخته وَكَانَ الْوَاجِب أَن ينْسب ذَلِك الْفَارِسِي وَفِي الْجُمْلَة يَنْبَغِي أَن يعلم أَولا حالات الْقَضَاء الكلى ثمَّ يَأْخُذ حالات الْقَضَاء الجزئي ليعلم مِنْهَا الْأَمر فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَكَذَلِكَ يجب ضَرُورَة أَن يقدم فِي قسْمَة الْأَزْمَان أَصْنَاف الْأَسْنَان الزمانية وموافقتها لكل وَاحِد من الْأَحْدَاث وَأَن يتفقد أمرهَا لِئَلَّا يغلط فِي وَقت من الْأَوْقَات فِي الْأَعْرَاض الْعَامَّة البسيطة الَّتِي ينظر فِيهَا فِي المواليد فَيَقُول أَن الطِّفْل يُبَاشر الْأَعْمَال أَو يتَزَوَّج أَو يفعل شَيْئا من الْأَشْيَاء الَّتِي يَفْعَلهَا من هُوَ أتم سنا مِنْهُ وَأَن الشَّيْخ الفاني يُولد لَهُ أَو يفعل شَيْئا من أَفعَال الْأَحْدَاث وَهَذَا وَنَحْوه يدل على أَن الْأُمُور وَغَيرهَا إِنَّمَا هِيَ بِحَسب اخْتِلَاف العوائد والبلاد وخواص الْأَنْفس وَاخْتِلَاف الْأَسْنَان والأغذية وقواها أَيْضا مِمَّا فِيهَا تَأْثِير قوى وَكَذَا الْهَوَاء والتربة واللباس وَغَيرهَا كل هَذِه لَهَا تَأْثِير فِي الْأَخْلَاق والأعمال وأكبرها العوائد والمربا والمنشأ فإحالة هَذِه الْأُمُور على الْكَوَاكِب والطالع والمقارنة والمفارقة والمناظر من أبين الْجَهْل وَلِهَذَا اضْطر إِمَام المنجمين ومعلمهم إِلَى مراعات هَذِه الْأُمُور وَأخْبر أَن الْحَاكِم بِدُونِ مَعْرفَتهَا والتشبث بهَا يكون مخطئا وَحِينَئِذٍ فالطالع الْمُعْتَبر الْمُؤثر إِنَّمَا هُوَ طالع العوائد وَالسّنَن والبلاد وخواص هيأت النُّفُوس الإنسانية وقوى أغذية أبدانها وهوائها وتربتها وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مشَاهد بالعيان تَأْثِيره فِي ذَلِك أفليس من أبين الْجَهْل الْإِعْرَاض عَن هَذِه الْأَسْبَاب وَالْحوالَة على حركات النُّجُوم واجتماعها وافتراقها ومقابلتها فِي تربيع أَو تثليث أَو تسديس مِمَّا لوصح لَكَانَ غَايَته ان يكون جُزْء سَبَب من الْأَسْبَاب الَّتِي تَقْتَضِي هَذِه الْآثَار ثمَّ إِن لَهَا من المقارنات والمفارقات والصوارف والعوارض مَالا يُحْصى المنجم الْقَلِيل من عشر معشاره أفليس الحكم بِمُجَرَّد معرفَة جُزْء من أَجزَاء السَّبَب بِالظَّنِّ والحدس والتقليد لمن حسن ظَنّه بِهِ حكم كَاذِب وَلِهَذَا كذب المنجم أَضْعَاف أَضْعَاف صدقه بِكَثِير حَتَّى صدَاق أَن بعض الزراقين وَأَصْحَاب الْكَشْف وأرباب الفراسة والجزائين أَكثر من صدق هَؤُلَاءِ بِكَثِير وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن الْمَجْهُول من جمل الْأَسْبَاب وَمَا يعارضها وَيمْنَع تأثيرها أَكثر من الْمَعْلُوم مِنْهَا فَكيف لَا يَقع الْكَذِب وَالْخَطَأ بل لَا يكَاد يَقع الصدْق وَالصَّوَاب إِلَّا على سَبِيل التصادف وَنحن لَا ننكر ارتباط المسببات بأسبابها كَمَا ارْتَكَبهُ كثير من الْمُتَكَلِّمين وكابروا العيان وجحدوا الْحَقَائِق كَمَا أَنا لَا نرضى بهذيانات الأحكاميين ومحالاتهم بل نثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>