للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَسْبَاب والمسببات والعلل والمعلولات ونبين مَعَ ذَلِك بطلَان مَا يَدعُونَهُ من علم أَحْكَام النُّجُوم وَأَنَّهَا هِيَ الْمُدبرَة لهَذَا الْعَالم المسعدة المشقية المحيية المميتة المعطية للعلوم والأعمال والأرزاق والآجال وَأَن نظركم فِي هَذَا الْعَالم مُوجب لكم من علم الْغَيْب مَا انفردتم بِهِ عَن سَائِر النَّاس وَلَيْسَ فِي طوائف النَّاس أقل علما بِالْغَيْبِ مِنْكُم بل انتم أَجْهَل النَّاس بِالْغَيْبِ على الْإِطْلَاق وَمن اعْتبر حَال حذقائكم وعلمائكم واعتمادهم على ملاحم مركبة من إخبارات بعض الْكُهَّان ومنامات وفراسات وقصص متوارثة عَن أهل الْكتاب وَغَيرهم ومزج ذَلِك بتجارب حصلت مَعَ اقترانات نجومية واتصالات كوكبية يعلم بِالْحِسَابِ حُصُولهَا فِي وَقت معِين فقضيتم بِحُصُول تِلْكَ الْآثَار أَو نظيرها عِنْدهَا إِلَى أَمْثَال ذَلِك من أَسبَاب علم تقدمه الْمعرفَة الَّتِي قد جرب النَّاس مِنْهَا مثل ماجربتم فصدقت تَارَة وكذبت تَارَة فغاية الحركات النجومية والاتصالات الكوكبية أَن تكون كالعلل والأسباب الْمُشَاهدَة الَّتِي تأثيراتها مَوْقُوفَة على انضمام أُمُور أُخْرَى إِلَيْهَا وارتفاع مَوَانِع تمنعها تأثيرها فَهِيَ أَجزَاء أَسبَاب غير مُسْتَقلَّة وَلَا مُوجبَة هَذَا لَو أقمتم على تأثيرها دَلِيلا فَكيف وَلَيْسَ مَعكُمْ إِلَّا الدَّعَاوَى وتقليد بَعْضكُم بَعْضًا واعتراف حذاقكم بِأَن الَّذِي يجهل من بَقِيَّة الْأَسْبَاب المؤثرة وَمن الْمَوَانِع الصارفة أعظم من الْمَعْلُوم مِنْهَا بأضعاف مضاعفة لَا يدْخل تَحت الْوَهم فَكيف يَسْتَقِيم لعاقل الحكم بعد هَذَا وَهل يكون فِي الْعَالم أكذب مِنْهُ قَالَ صَاحب الرسَالَة وَإِذا كَانَ الْفلك مَتى تشكل شكلا مَا دلّ إِن كَانَ فِي مولد مصري على أَنه يتَزَوَّج أُخْته فَذَلِك سنة كَانَت لَهُم وَعَادَة وَإِن كَانَ فِي مولد غَيره لم يدل على ذَلِك وَنحن نجد أهل مصر فِي وقتنا هَذَا قد زَالُوا عَن تِلْكَ الْعَادة وَتركُوا تِلْكَ السّنة بدخولهم فِي الْإِسْلَام والنصرانية واستعمالهم أحكامهما فَيجب أَن تسْقط هَذِه الدّلَالَة من مواليدهم لزوالهم عَن تِلْكَ الْعَادة أَو تكون الدّلَالَة توجب ذَلِك فِي مولد كل أحد مِنْهُم وَمن غَيرهم أَو تسْقط الدّلَالَة وَتبطل بِزَوَال أهل مصر عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ جُمْهُور أهل فَارس وَأي ذَلِك كَانَ فَهُوَ دَال على قَبِيح المناقضة وَشدَّة المغالطة وَقد رَأَيْت وجههم بطليموس يَقُول فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالأربعة فَيحدث كَذَا وَكَذَا توهمنا أَنه يكون كَذَا وَكَذَا قلت الَّذِي صرح بِهِ بطليموس إِن علم أَحْكَام النُّجُوم بعد استقصاء معرفَة مَا يَنْبَغِي مَعْرفَته إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الحدس لَا الْعلم وَالْيَقِين فَمن ذَلِك قَوْله هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن جَمِيع علم حَال هَذَا العنصر إِنَّمَا يَسْتَقِيم أَن يلْحق على جِهَة الظَّن والحدس لَا على جِهَة الْيَقِين وخاصة مِنْهُ مَا كَانَ مركبا من أَشْيَاء كَثِيرَة غير متشابهة قَالَ شَارِح كَلَامه وَإِنَّمَا ذهب إِلَى ذَلِك لِأَن الْأَفْعَال الَّتِي تصدر عَن الْكَوَاكِب إِنَّمَا هِيَ بطرِيق الْعرض وَإِنَّهَا لَا تفعل بذواتها شَيْئا وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الْأَرْبَعَة وَإِذا كَانَ الْإِنْسَان قد استقصى معرفَة حَرَكَة جَمِيع الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر حَتَّى أَنه لَا يذهب عَلَيْهِ شَيْء من الْمَوَاضِع والأوقات الَّتِي تحدث لَهَا فِيهَا الأشكال وَكَانَت عِنْده

<<  <  ج: ص:  >  >>