للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معرفَة بطبائعها قد أَخذهَا عَن الْأَخْبَار المتواترة الَّتِي تقدمته وَأَن لم يعلم طبائعها فِي نفس جواهرها لَكِن يعلم قواها الَّتِي تفعل بهَا كَالْعلمِ بِقُوَّة الشَّمْس أَنَّهَا تسخن وكالعلم بِقُوَّة الْقَمَر أَنَّهَا ترطب وَكَذَلِكَ يعلم أَمر قوى سَائِر الْكَوَاكِب وَكَانَ قَوِيا على معرفَة أَمْثَال سَائِر هَذِه الْأَشْيَاء لَا على الْمَذْهَب الطبيعي فَقَط لَكِن يُمكنهُ أَيْضا أَن يعلم بجودة الحدس خَواص الْحَال الَّتِي تكون من امتزاج جَمِيع ذَلِك

قَالَ الشَّارِح وبطليموس يرى أَن علم الْأَحْكَام إِنَّمَا يلْحق على جِهَة الحدس لَا على جِهَة الْيَقِين قلت وَكَذَلِكَ صرح أرسطاطا لَيْسَ فِي أول كِتَابه السماع الطبيعي أَنه لَا سَبِيل إِلَى الْيَقِين بِمَعْرِِفَة تَأْثِير الْكَوَاكِب فَقَالَ لما كَانَت حَال الْعلم وَالْيَقِين فِي جَمِيع السبل الَّتِي لَهَا مباديء أَو أَسبَاب أَو استقصا آتٍ إِنَّمَا يلْزم من قبل الْمعرفَة بِهَذِهِ فَإِذا لم تعرف الْكَوَاكِب على أَي وَجه تفعل هَذِه الأفاعيل أَعنِي بذاتها أَو بطرِيق الْعرض وَلم تعرف مَا هيتها وذواتها لم تكن معرفتنا بالشَّيْء أَنه يفعل على جِهَة الْيَقِين

وَهَذَا ثَابت بن قُرَّة وَهُوَ هُوَ عِنْدهم يَقُول فِي كتاب تَرْتِيب الْعلم وَأما علم الْقَضَاء من النُّجُوم فقد اخْتلف فِيهِ أَهله اخْتِلَافا شَدِيدا وَخرج فِيهِ قوم إِلَى ادِّعَاء مَالا يَصح وَلَا يصدق بِمَا لَا اتِّصَال لَهُ بالأمور الطبيعية حَتَّى أدعوا فِي ذَلِك مَا هُوَ من علم الْغَيْب وَمَعَ هَذَا فَلم يُوجد مِنْهُ إِلَى زَمَاننَا هَذَا قريب من التَّمام كَمَا وجد غَيره هَذَا لَفظه مَعَ حسن ظَنّه بِهِ وعدله فِي الْعُلُوم وَهَذَا أَبُو نصر الفارابي يَقُول وَاعْلَم أَنَّك لَو قلبت أوضاع المنجمين فَجعلت السعد نحسا والنحس سَعْدا والحار بَارِدًا والبارد حارا وَالذكر أُنْثَى وَالْأُنْثَى ذكرا ثمَّ حكمت لكَانَتْ أحكامك من جنس أحكامهم تصيب تَارَة وتخطيء تَارَة

وَهَذَا أَبُو على بن سينا قد أَتَى فِي آخر كِتَابه الشِّفَاء فِي رد هَذَا الْعلم وإبطاله بِمَا هُوَ مَوْجُود فِيهِ وقرأت بِخَط رزق الله المنجم وَكَانَ من زعمائهم فِي كتاب المقايسات لأبي حَيَّان التوحيدي مناظرة دارت بَين جمَاعَة من فضلائهم جمع جمعهم بعض الْمجَالِس فَذَكرتهَا مخلصة ممالا يتَعَلَّق بهَا بل ذكرت مقاصدها قَالَ أَبُو حَيَّان هَذِه مقايسة دارت فِي مجْلِس أبي سُلَيْمَان مُحَمَّد بن ظَاهر بن بهْرَام السجسْتانِي وَعِنْده أَبُو زَكَرِيَّا الصَّيْمَرِيّ والبوشنجاني أَبُو الْفَتْح وَأَبُو مُحَمَّد الْعَرُوضِي وَأَبُو مُحَمَّد المقدسى والقوطسي وَغُلَام زحل وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ إِمَام فِي شَأْنه فَرد فِي صناعته فَقيل فِي الْمجْلس لم خلا علم النُّجُوم من الْفَائِدَة وَالثَّمَرَة وَلَيْسَ علم من الْعُلُوم كَذَلِك فَإِن الطِّبّ لَيْسَ على هَذِه الْحَال ثمَّ ذكرت فَائِدَته وَالْمَنْفَعَة بِهِ وَكَذَلِكَ الْحساب والنحو والهندسة والصنائع ذكرت وَذكرت مَنَافِعهَا وثمراتها ثمَّ قَالَ السَّائِل وَلَيْسَ علم النُّجُوم كَذَلِك فَإِن صَاحبه إِذا استقضى وَبلغ الْحَد الْأَقْصَى فِي معرفَة الْكَوَاكِب وَتَحْصِيل سَيرهَا واقترانها ورجوعها ومقابلتها وتربيعها وتثليثها وتسديسها وضروب مزاجها فِي موَاضعهَا من بروجها وأشكالها ومطالعها ومعاطفها وَمَغَارِبهَا ومشارقها ومذاهبها حَتَّى إِذا

<<  <  ج: ص:  >  >>