للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم أصَاب وَإِذا أصَاب حقق وَإِذا حقق جزم وَإِذا جزم حتم فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع الْبَتَّةَ قلب شَيْء عَن شَيْء وَلَا صرف شَيْء عَن شَيْء وَلَا تبعيد حَال قد دنت وَلَا نفي خلة قد كتبت وَلَا رفع سَعَادَة قد حمت وأظلت أعنى أَن أمرءا مَا لَا يقدر على أَن يَجْعَل الْإِقَامَة سفرا وَلَا الْهَزِيمَة ظفرا وَلَا العقد حلا وَلَا الإبرام نقضا وَلَا الْيَأْس رَجَاء وَلَا الإخفاق دركا وَلَا الْعَدو صديقا وَلَا الْوَلِيّ عدوا وَلَا الْبعيد قَرِيبا وَلَا الْقَرِيب بَعيدا فَكَانَ الْعَالم بِهِ الحاذق المتناهي فِي خفياته بعد هَذَا التَّعَب وَالنّصب وَبعد هَذَا الكد والدأب وَبعد هَذِه الكلفة الشَّدِيدَة والمعرفة الغليظة هُوَ مُلْتَزم للمقدار مستجد لما يَأْتِي بِهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وعادت حَاله مَعَ علمه الْكثير إِلَى حَال الْجَاهِل بِهَذَا الْعلم الَّذِي انقياده كانقياده واعتباره كاعتباره وَلَعَلَّ توكل الْجَاهِل أحسن من توكل الْعَالم بِهِ وَرضَاهُ فِي الْخَيْر المشتهي ونجاته من الشَّرّ المتقي أقوى وَأَصَح من رَجَاء هَذَا المدل بزيجه وحسابه وتقويمه واسطر لَا بِهِ وَلِهَذَا لما لَقِي أَبُو الْحُسَيْن النوري مَا نيا المنجم قَالَ لَهُ أَنْت تخَاف زحل وَأَنا أَخَاف رب زحل وَأَنت ترجو الْمُشْتَرى وَأَنا أعبد رب الْمُشْتَرى وَأَنت تعدو بِالْإِشَارَةِ وَأَنا أعدو بالاستخارة فكم بَيْننَا وَهَذَا أَبُو شرْوَان وَكَانَ من الْمُلُوك الأفاضل كَانَ لَا يرفع بالنجوم رَأْسا فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ صَوَابه يشبه الحدس وَخَطأَهُ شَدِيد على النَّفس فَمَتَى أفْضى هَذَا الْفَاضِل النحرير والحاذق الْبَصِير إِلَى هَذَا الْحَد والغاية كَانَ علمه عَارِيا من الثَّمَرَة خَالِيا من الْفَائِدَة حَائِلا عَن النتيجة بِلَا عَائِدَة وَلَا مرجوع وَإِن أمراأوله على مَا قَرَّرْنَاهُ وَآخره على مَا ذَكرْنَاهُ لحري أَن لايشغل الزَّمَان بِهِ وَلَا يُوهب الْعُمر لَهُ وَلَا يعار الْهم والكد وَلَا يعاج عَلَيْهِ بِوَجْه وَلَا سَبَب هَذَا إِن كَانَت الْأَحْكَام صَحِيحَة مدركه مُحَققَة ومصابة مُلْحقَة مَعْرُوفَة محصلة وَلم يكن الْمَذْهَب على مَا زعم أَرْبَاب الْكَلَام وَالَّذين يأبون تَأْثِير هَذِه الأجرام الْعَالِيَة فِي الْأَجْسَام السافلة وينفون الوسائط بَينهمَا والوصائل ويدفعون الفواعل والقوابل ثمَّ السُّؤَال

فَأجَاب كل من هَؤُلَاءِ بِمَا سنح لَهُ فَقَالَ قَائِل مِنْهُم عَن هَذَا السُّؤَال المهول جوابان

أَحدهمَا هُوَ زجر عَن النّظر فِيهِ لِئَلَّا يكون هَذَا الْإِنْسَان مَعَ ضعف تجربته واضطراب غريزته وَضعف بنيته علا على ربه شَرِيكا لَهُ فِي غيبه متكبرا على عباده ظَانّا بِأَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي من شَأْنه قَائِم بجده وَقدرته وَحَوله وقوته وتشميره وتقليصه وتهجيره وتقريبه فَأن هَذَا النمط محجز الْإِنْسَان عَن الْخُشُوع لخالقه والإذعان لرَبه ويبعده عَن التَّسْلِيم لمدبره ويحول بَينه وَبَين طرح الْكَاهِل بَين يَدي من هُوَ أملك لَهُ وَأولى بِهِ

وَأما الْجَواب الآخر فَهُوَ بشرى عَظِيمَة على نعْمَة جسيمة لمن حصل لَهُ هَذَا الْعلم وَذَلِكَ سر لَو اطلع عَلَيْهِ وغيب لَو وصل إِلَيْهِ لَكَانَ مَا يجده الْإِنْسَان فِيهِ من الرّوح والراحة وَالْخَيْر فِي العاجلة والآجلة تكفيه مؤنه هَذَا الْخطب الفادح وتغنيه عَن تجشم هَذَا الكد الكادح فَاجْعَلْ أَيهَا الْمُنكر لشرف هَذَا الْعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>