للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر قد يغْفل مَعَ هَذَا كُله المنجم اعْتِبَار حركات كَثِيرَة من أجرام مُخْتَلفَة لِأَنَّهُ يعجز عَن نظمها وتقويمها ومزجها وتسييرها وتفصيل أحوالها وَتَحْصِيل خواصها مَعَ بعد حَرَكَة بَعْضهَا وَقرب حَرَكَة بَعْضهَا وبطئها وسرعتها وتوسطها والتفاف صورها وَالْتِبَاس تقاطعها وتداخل أشكالها وَمن الْحِكْمَة فِي هَذَا الإغفال أَن الله تقدس اسْمه يتم بذلك الْقدر المقفل والقليل الَّذِي لَا يؤبه وَالْكثير الَّذِي لَا يحاول الْبَحْث عَنهُ أمرؤ لم يكن فِي حسبان الْخلق وَلَا فِيمَا أعملوا فِيهِ الْقيَاس وَالتَّقْدِير والتوهم وَلِهَذَا يحكم هَذَا الحاذق فِي صناعته لهَذَا الْملك وَهَذَا الماهر فِي عمله لهَذَا الْملك ثمَّ يَلْتَقِيَانِ فَتكون الدائرة على أَحدهمَا مَعَ شدَّة الوقاع وَصدق المصاع هَذَا وَقد حكم لَهُ بالظفر والغلب

وَقَالَ آخر وَهُوَ البوشنجاني إِنَّمَا يُؤْتِي أحد الْحَاكِمين لأحد السَّائِلين لَا من جِهَة غلط يكون فِي الْحساب وَلَا من قلَّة مهارة فِي الْعَمَل وَلَكِن يكون فِي طالعه إِن لَا يُصِيب فِي ذَلِك الحكم وَيكون فِي طالع الْملك إِن لَا يُصِيب منجمه فِي تِلْكَ الْحَرْب فَمُقْتَضى حَاله وَحَال صَاحبه يحول بَينه وَبَين الصَّوَاب وَيكون الآخر مَعَ صِحَة حسابه وَحسن إِدْرَاكه قد وَجب فِي طالع نَفسه وطالع صَاحبه ضد ذَلِك فَيَقَع الْأَمر الْوَاجِب وَيبْطل الآخر الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِب وَقد كَانَ المنجمان من جِهَة الْعلم والحساب أعطيا للصناعة حَقّهَا ووفيا مَا عَلَيْهِمَا ووقفا موقفا وَاحِدًا على غير مزية بَيِّنَة وَلَا عِلّة قَائِمَة

قَالَ آخر وَلَوْلَا هَذِه الْبَقِيَّة المندفنة والغاية المستترة الَّتِي اسْتَأْثر الله بهَا لَكَانَ لَا يعرض هَذَا الْخَطَأ مَعَ صِحَة الْحساب ودقة النّظر وَشدَّة الغوص وَتُوفِّي الْمَطْلُوب وَمَعَ غَلَبَة الْهوى والميل إِلَى الْمَحْكُوم لَهُ وَهَذِه الْبَقِيَّة دَائِرَة فِي أُمُور هَذَا الْخلق فاضلهم وناقصهم ومتوسطهم فِي دقيقها وجليلها وصعبها وَمن كَانَ لَهُ فِي نَفسه باعث على التصفح وَالنَّظَر والبحث وَالِاعْتِبَار وقف على مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ وَسلم وبحكمة جليلة ضرب الله دون هَذَا الْعلم بالاسداد وطوي حقائقه عَن أَكثر الْعباد وَذَلِكَ أَن الْعلم بِمَا سَيكون وَيحدث وَيسْتَقْبل علم حُلْو عِنْد النَّفس وَله موقع عِنْد الْعقل فَلَا أحد إِلَّا وَهُوَ يتَمَنَّى إِن يعلم الْغَيْب ويطلع عَلَيْهِ وَيدْرك مَا سَوف يكون فِي غَد وبجد سَبِيلا إِلَيْهِ وَلَو ذلل السَّبِيل إِلَى هَذَا الْفَنّ لرأيت النَّاس يهرعون إِلَيْهِ وَلَا يؤثرون شَيْئا آخر عَلَيْهِ لحلاوة هَذَا الْعلم عِنْد الرّوح ولصوقه بِالنَّفسِ وغرام كل أحد بِهِ وفتنة كل إِنْسَان فِيهِ فبنعمة من الله لم يفتح هَذَا الْبَاب وَلم يكْشف دونه الغطاء حَتَّى يرتقي كل أحد رَوْضَة وَيلْزم حَده ويرغب فِيمَا هُوَ أجدى عَلَيْهِ وأنفع لَهُ أما عَاجلا وَأما آجلا فطوى الله عَن الْخلق حقائق الْغَيْب وَنشر لَهُم نبذا مِنْهُ وشيئا يَسِيرا يتعللون بِهِ ليَكُون هَذَا الْعلم محروصا عَلَيْهِ كَسَائِر الْعُلُوم وَلَا يكون مَانِعا من غَيره قَالَ فلولا هَذِه الْبَقِيَّة الَّتِي فضحت الكاملين وأعجزت القادرين لَكَانَ تعجب الْخلق من غرائب الْأَحْدَاث وعجائب الصروف وطرائف الْأَحْوَال عَبَثا وسفها

<<  <  ج: ص:  >  >>