للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يثبت على كل وَجه فصل وَلم يبن ذَلِك قَالَ لِأَن صِحَّتهَا وبطلانها يتعلقان بآثار الْفلك وَقد يقتصى شكل الْفلك فِي زمَان أَن لَا يَصح مِنْهَا شَيْء وَأَن غيص على دقائقها وَبلغ إِلَى أعماقها وَقد يَزُول ذَلِك الشكل فِي وَقت آخر إِلَى أَن يكثر الصَّوَاب فِيهَا وَالْخَطَأ ويتقاربان وَمَتى وقف الْأَمر على هَذَا الْحَد لم يثبت على قَضَاء وَلم يوثق بِجَوَاب

وَقَالَ آخر أَن الله تَعَالَى وتقدس اخترع هَذَا الْعَالم وزينه ورتبه وَحسنه ووشحه ونظمه وهذبه وَقَومه وَأظْهر عَلَيْهِ الْبَهْجَة وأبطن فِي أَثْنَائِهِ الْحِكْمَة وَحقه بِمَ اضْطر الْعُقُول إِلَى تصفحه ومعرفته وحشاه بِكُل مَا حاش النُّفُوس إِلَى علمه وتعليمه والتعجب من أعاجيبه وأمتع الْأَرْوَاح بمحاسنه وأودعه أمورا واستحزنه أسرارا ثمَّ حرك الْأَلْبَاب عَلَيْهَا حَتَّى استثارتها ولقطتها وأحبتها وعشقتها ودارت عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عرفت بهَا رَبهَا وخالقها وإلهها وواضعها وصانعها وحافظها وكافلها ثمَّ أَنه تَعَالَى مزج بعض مَا فِيهِ بِبَعْض وَركب بعضه على بعض ونسج بعضه فِي بعض وأمد بعضه من بعض وأحال بعضه إِلَى بعض بوسائط من أشخاص وأجناس وطبائع وأنفس وعلوم وعقول وَتصرف فِي ملكه بقدرته وجوده وحكمته لَا معيب الْفضل وَلَا مَعْدُوم الِاخْتِيَار وَلَا مَرْدُود الْحِكْمَة وَلَا مجحود الذَّات وَلَا مَحْدُود الصِّفَات سُبْحَانَهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا كُله لم يستفد شَيْئا وَلم ينْتَفع بِشَيْء بل اسْتَفَادَ مِنْهُ كل شَيْء وانتفع بِهِ كل شَيْء وَبلغ غَايَته كل شَيْء بِحَسب مادته المنقادة وَصورته الْمُعْتَادَة وَلم يثبت بِشَيْء وَثَبت بِهِ كل شَيْء فَهُوَ الْفَاعِل الْقَادِر الْجواد الْوَاهِب والمنيل الْمفضل وَالْأول السَّابِق فَلَمَّا كَانَ الباحث عَن الْعَالم الْعلوِي يتصفح سكانه وَمَعْرِفَة آثاره ومواقعه وأسراره متعرضا لِأَن يكون مثبتا بهَا لبارئه مناسبا لرَبه بِهَذَا الْوَجْه الْمَعْرُوف اسْتَحَالَ أَن يَسْتَفِيد بِعِلْمِهِ كَمَا اسْتَحَالَ أَن يَسْتَفِيد خالقه بِفِعْلِهِ لمن بِقصد لصوبه وَحكمه لزمَه كليته بَدَت مِنْهُ وَصفته عَادَتْ عَلَيْهِ وَهَذِه حَال إِذا فطن لَهَا وأشرف ببصيرة ثاقبة عَلَيْهَا وَتحقّق بحقيقتها وترقي للخبرة بسني مَا فِيهَا علم اضطرارا عقليا أَنَّهَا أجل وَأَعْلَى وأنفس وأسمى وأدوم وأبقي من جَمِيع فَوَائِد سَابق الْعُلُوم الَّتِي حازها أُولَئِكَ الْعَامِلُونَ لِأَن علم أُولَئِكَ فَوَائِد علومهم فِيمَا حفظ عَلَيْهِم حد الْإِنْسَان وخلقه وعادته وخلقه وشهوته وراحته فِي اجتلاب نفع وَدفع ضَرَر ونقصت رتبتهم عَن ومشابهته والتشبه بخاصته والتحلي بحليته وَلذَلِك جبر الله نقصهم فِي علمهمْ بفوائد نالوها وَمَنَافع خبروها فَأَما من أَرَادَ معرفَة هَذِه الخفايا والأسرار من هَذِه الأجرام والأنوار على مَا هيأت لَهُ ونظمت عَلَيْهِ فَهُوَ حري جدير أَن يعري من جَمِيع مَا وجده صَاحب كل علم فِي علمه من الْمرَافِق وَالْمَنَافِع ويفرد بالحكم من رتبها على مَا هِيَ عَلَيْهِ غير مستفيد بذلك فَائِدَة وَلَا جدوى وَهَذِه لَطِيفَة شريفة مَتى وقف عَلَيْهَا حق الْوُقُوف وتقبلت حَتَّى التقبل كَانَ الْمدْرك لَهَا أجل من كل فَائت وَإِن عز

<<  <  ج: ص:  >  >>