للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهَا بشرية صَارَت إلهيه وجسمية استحالت روحانية وطينية انقلبت نوريه ومركب عَاد بسيطا وجزء اسْتَحَالَ كلا وَهَذَا أَمر قَلما يَهْتَدِي إِلَيْهِ ويتنبه عَلَيْهِ

وَقَالَ آخر وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَان المنطقي وَقد سَأَلَهُ أَبُو حَيَّان تِلْمِيذه عَن هَذِه الْأَجْوِبَة وَمَا فِيهَا من حق وباطل أَن هَهُنَا أنفسا خبيثة وعقولا رديه ومعارف خسيسة لَا يجوز لأربابها أَن ينشقوا ريح الْحِكْمَة أَو يتطاولوا إِلَى غرائب الفلسفة والنهى ورد من أَجلهم وَهُوَ حق فَأَما النُّفُوس الَّتِي قوتها الْحِكْمَة وبلغتها الْعلم وعدتها الْفَضَائِل وعقدتها الْحَقَائِق وَذُخْرهَا الْخيرَات وعادتها المكارم وهمتها الْمَعَالِي فَأن النهى لم يُوَجه إِلَيْهَا والعتب لم يُوقع عَلَيْهَا وَكَيف يكون ذَلِك وَقد بَان بِمَا تكَرر من القَوْل أَن فَائِدَة هَذَا الْعلم أجل فَائِدَة وثمرته أجل ثَمَرَة ونتيجته أشرف نتيجة فَلْيَكُن هَذَا كُله كافا عَن سوء الظَّن وكافيا لَك فِيمَا وَقع فِيهِ القَوْل وَطَالَ بَين هَؤُلَاءِ السَّادة الجحاجحة فِي الْعلم والفهم وَالْبَيَان والنصح انْتَهَت الْحِكَايَة فَلْيتَأَمَّل من أنعم الله عَلَيْهِ بِالْعقلِ وَالْعلم وَالْإِيمَان وصانه عَن تَقْلِيد هَؤُلَاءِ وأمثالهم من أهل الْحيرَة والضلال مَا فِي هَذِه المحاورة وَمَا انطوت عَلَيْهِ من اعترافهم بغاية علمهمْ ومستقر أَقْدَامهم فِيهِ وَمَا حكمُوا بِهِ على أنفسهم من مقتضي حِكْمَة الله فيهم أَن يسلبهم ثَمَرَات عُلُوم النَّاس وفوائدها وَأَن يكسوهم لِبَاس الخيبة وقهر النَّاس لَهُم وإذلالهم إيَّاهُم وَإِن يَجْعَل نصيب كل أحد من الْعلم والسعادة فَوق نصِيبهم وَأَن يَجْعَل رزقهم من أَبْوَاب الْكَذِب وَالظَّن والزرق وَهُوَ أَخبث مكاسب الْعَالم ومكسب البغايا وأرباب المواخير خير من مكاسب هَؤُلَاءِ لأَنهم كسبوها بذنوب وشهوات وَهَؤُلَاء اكتسبوا مَا اكتسبوه بِالْكَذِبِ على الله وادعاء مَا يعلمُونَ هم فِيهِ كذب أنفسهم

وَالْعجب من شَهَادَتهم على أنفسهم أَن حِكْمَة الله سُبْحَانَهُ اقْتَضَت ذَلِك فيهم لتعاطيهم مشاركته فِي غيبه والاطلاع على أسرار مَمْلَكَته وتعديهم طور الْعُبُودِيَّة الَّتِي هِيَ سمتهم إِلَى طور الربوبية الَّذِي لم يَجْعَل لأحد سَبِيلا إِلَيْهِ فاقتضت حِكْمَة الْعَزِيز الْحَكِيم إِن عاملهم بنقيض قصودهم وَعكس مراداتهم وَجعل كل وَاحِد فَوْقهم فِي كل مِلَّة وَرمي النَّاس بِاللِّسَانِ الْعَام وَالْخَاص لَهُم بِأَنَّهُم أكذب النَّاس فأنهم هم الزَّنَادِقَة الدهرية أَعدَاء الرُّسُل وسوس المَال وَإِن طالعهم على من حسن الظَّن بهم وتقيد بأحكامهم فِي حركاته وسكناته وتدبيره شَرّ طالع وَالْملك وَالْولَايَة المسوس بهم أذلّ ملك وَأقله وَمن لَهُ شَيْء من تجارب الْأُمَم وأخبار الدول والوزراء وَغَيرهم فَعنده من الْعلم بِهَذَا مَا لَيْسَ عِنْد غَيره وَلِهَذَا الْمُلُوك وَالْخُلَفَاء والوزراء الَّذين لَهُم قبُول فِي الْعَالم وصيت ولسان صدق هم أَعدَاء هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَة كالمنصور والرشيد والمهدى وكخلفاء بني أُميَّة وكالملوك المؤيدين فِي الْإِسْلَام قَدِيما وحديثا كَانُوا أَشد النَّاس إبعاد لهَؤُلَاء عَن أَبْوَابهم وَلم تقم لَهُم سوق فِي عَهدهم إِلَّا عِنْد أشباههم ونظرائهم من كل مُنَافِق متستر بِالْإِسْلَامِ أَو جَاهِل مفرط

<<  <  ج: ص:  >  >>