للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاقلام فَملك لَا يتأيد بِعلم لَا يقوم وَسيف بِلَا علم مِخْرَاق لاعب وقلم بِلَا علم حُرْمَة حَرَكَة عابث وَالْعلم مسلط حَاكم على ذَلِك كُله وَلَا يحكم شَيْء من ذَلِك على الْعلم وَقد اخْتلف فِي تَفْضِيل مداد الْعلمَاء على دم الشُّهَدَاء وَعَكسه وَذكر لكل قَول وُجُوه من التراجيح والادلة وَنَفس هَذَا النزاع دَلِيل على تَفْضِيل الْعلم ومرتبته فَإِن الْحَاكِم فِي هَذِه المسئلة هُوَ الْعلم فِيهِ واليه وَعِنْده يَقع التحاكم والتخاصم والمفضل مِنْهُمَا من حكم لَهُ بِالْفَضْلِ فَإِن قيل فَكيف يقبل حكمه لنَفسِهِ قيل وَهَذَا ايضا دَلِيل على تفضيله وعلو مرتبته وشرفه فَإِن الْحَاكِم إِنَّمَا لم يسغْ ان يحكم لنَفسِهِ لاجل مَظَنَّة التُّهْمَة وَالْعلم تلْحقهُ تُهْمَة فِي حكمه لنَفسِهِ فَإِنَّهُ إِذا حكم حكم بِمَا تشهد الْعُقُول وَالنَّظَر بِصِحَّتِهِ وتتلقاه بِالْقبُولِ ويستحيل حكمه لتهمة فَإِنَّهُ إِذا حكم بهَا انْعَزل عَن مرتبته وانحط عَن دَرَجَته فَهُوَ الشَّاهِد الْمُزَكي الْعدْل وَالْحَاكِم الَّذِي لَا يجور وَلَا يعْزل فَإِن قيل فَمَاذَا حكمه فِي هَذِه المسئلة الَّتِي ذكرتموها قيل هَذِه المسئلة كثر فِيهَا الْجِدَال واتسع المجال وأدلى كل مِنْهُمَا بحجته واستعلى بمرتبته وَالَّذِي يفصل النزاع وَيُعِيد المسالة إِلَى مواقع الاجماع الْكَلَام فِي أَنْوَاع مَرَاتِب الْكَمَال وَذكر الافضل مِنْهُمَا وَالنَّظَر فِي أَي هذَيْن الامرين اولى بِهِ واقرب اليه فَهَذِهِ الاصول الثَّلَاثَة تبين الصَّوَاب وَيَقَع بهَا فصل الْخطاب فاما مَرَاتِب الْكَمَال فاربع النُّبُوَّة والصديقية وَالشَّهَادَة وَالْولَايَة وَقد ذكرهَا الله سُبْحَانَهُ فِي قَوْله وَمن يطع الله وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين انْعمْ الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن اولئك رَفِيقًا ذَلِك الْفضل من الله وَكفى بِاللَّه عليما وَذكر تَعَالَى هَؤُلَاءِ الاربع فِي سُورَة الْحَدِيد فَذكر تَعَالَى الايمان بِهِ وبرسوله ثمَّ ندب الْمُؤمنِينَ الى ان تخشع قُلُوبهم لكتابه ووحيه ثمَّ ذكر مَرَاتِب الْخَلَائق شقيهم وسعيدهم فَقَالَ إِن المصدقين والمصدقات واقرضوا الله قرضا حسنا يُضَاعف لَهُم وَلَهُم اجْرِ كريم وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله اولئك هم الصديقون والشهداءعند رَبهم لَهُم اجرهم ونورهم وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا اولئك اصحاب الْجَحِيم وَذكر الْمُنَافِقين قبل ذَلِك فاستوعبت هَذِه الاية اقسام الْعباد شقيهم وسعيدهم وَالْمَقْصُود انه ذكر فِيهَا الْمَرَاتِب الاربعة الرسَالَة والصديقية وَالشَّهَادَة وَالْولَايَة فأعلا هَذِه الْمَرَاتِب النُّبُوَّة والرسالة ويليها الصديقية فالصديقون هم أَئِمَّة اتِّبَاع الرُّسُل ودرجتهم اعلا الدَّرَجَات بعد النُّبُوَّة فَإِن جرى قلم الْعَالم بالصديقية وسال مداده بهَا كَانَ افضل من دم الشَّهِيد الَّذِي لم يحلقه فِي رُتْبَة الصديقية وان سَالَ دم الشَّهِيد بالصديقية وقطر عَلَيْهَا كَانَ افضل من مداد الْعَالم الَّذِي قصر عَنْهَا فافضلهما صديقهما فان اسْتَويَا فِي الصديقية اسْتَويَا فِي الْمرتبَة وَالله اعْلَم والصديقية هِيَ كَمَال الايمان بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول علما وَتَصْدِيقًا وقياما فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى نفس الْعلم فَكل من كَانَ اعْلَم بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول واكمل تَصْدِيقًا لَهُ كَانَ اتم صديقية فالصديقية شَجَرَة اصولها الْعلم وفروعها التَّصْدِيق وثمرتها الْعَمَل فَهَذِهِ كَلِمَات

<<  <  ج: ص:  >  >>