للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفسه على نجاتها وعذابها الْعَظِيم الدَّائِم على نعيمها الْمُقِيم وَالْحسن شَاهد بذلك وَلِهَذَا وصف الله سُبْحَانَهُ اهل مَعْصِيَته بِالْجَهْلِ فِي قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا التَّوْبَة على الله للَّذين يعْملُونَ السوء بِجَهَالَة ثمَّ يتوبون من قريب فاولئك يَتُوب الله عَلَيْهِم وَكَانَ الله عليما حكيما قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ كل من عمل ذَنبا من خلق الله فَهُوَ جَاهِل كَانَ جَاهِلا اوعالما ان كَانَ عَالما فَمن اجهل مِنْهُ وان كَانَ لَا يعلم فَمثل ذَلِك وَقَوله ثمَّ يتوبون من قريب فَأُولَئِك يَتُوب الله عَلَيْهِم وَكَانَ الله عليما حكيما قَالَ قبل الْمَوْت وَقَالَ ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا ذَنْب الْمُؤمن جهل مِنْهُ قَالَ فتادة اجْمَعْ اصحاب رَسُول الله ان كل شَيْء عصى الله فِيهِ فَهُوَ جَهَالَة وَقَالَ السدى كل من عصى الله فَهُوَ جَاهِل قَالُوا وَيدل على صِحَة هَذَا ان مَعَ كَمَال الْعلم لاتصدر الْمعْصِيَة من العَبْد فَإِنَّهُ لَو رأى صَبيا يتطلع عَلَيْهِ من كوَّة لم تتحرك جوارحه لمواقعة الْفَاحِشَة فَكيف يَقع مِنْهُ حَال كَمَال الْعلم بِنَظَر الله اليه ورؤيته لَهُ وعقابه على الذَّنب وتحريمه لَهُ وَسُوء عاقبته فَلَا بُد من غَفلَة الْقلب على هَذَا الْعلم وغيبته عَنهُ فَحِينَئِذٍ يكون وَقَومه فِي الْمعْصِيَة صادرا عَن جهل وغفلة ونسيان مضاد للْعلم والذنب محفوف بجهلين جهل بِحَقِيقَة الاسباب الصارفة عَنهُ وَجَهل بِحَقِيقَة الْمفْسدَة المترتبة عَلَيْهِ وكل وَاحِد من الجهلين تَحْتَهُ جهالات كَثِيرَة فَمَا عصى الله إِلَّا بِالْجَهْلِ وَمَا اطيع الا بِالْعلمِ فَهَذَا بعض مَا احتجت بِهِ هَذِه الطَّائِفَة وَقَالَت الطَّائِفَة الاخرى الْعلم لَا يسْتَلْزم الْهِدَايَة وَكَثِيرًا مَا يكون الضلال عَن عمد وَعلم لَا يشك صَاحبه فِيهِ بل يُؤثر الضلال وَالْكفْر وَهُوَ عَالم بقبحه ومفسدته قَالُوا وَهَذَا شيخ الضلال وداعي الْكفْر وَإِمَام الفجرة إِبْلِيس عَدو الله قد علم امْر الله لَهُ بِالسُّجُود لادم وَلم يشك فِيهِ فخالفه وعاند الامر وباء بلعنة الله وعذابه الدَّائِم مَعَ علمه بذلك ومعرفته بِهِ واقسم لَهُ بعزته انه يغوى خلقه اجمعين الاعباده مِنْهُم المخلصين فَكَانَ غير شَاك فِي الله وَفِي وحدانيته وَفِي الْبَعْث الآخر وَفِي الْجنَّة وَالنَّار وَمَعَ ذَلِك اخْتَار الخلود فِي النَّار وَاحْتِمَال لعنة الله وغضبه وطرده من سمائه وجنته عَن علم بذلك وَمَعْرِفَة لم يحصل لكثير من النَّاس وَلِهَذَا قَالَ رب فأنظرني الى يَوْم يبعثون وَهَذَا اعْتِرَاف مِنْهُ بِالْبَعْثِ وقرار بِهِ وَقد علم قسم ربه ليملأن جَهَنَّم مِنْهُ وَمن اتِّبَاعه فَكَانَ كفره كفر عناد مَحْض لَا كفر جهل وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَن قوم ثَمُود وَأما ثَمُود فهدينهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى يَعْنِي بَينا لَهُم وعرفناهم فعرفوا الْحق وتيقنوه وآثروا الْعَمى عَلَيْهِ فَكَانَ كفر هَؤُلَاءِ عَن جهل وَقَالَ تَعَالَى حاكيا عَن مُوسَى إِنَّه قَالَ لفرعون لقد علمت مَا انْزِلْ هَؤُلَاءِ الا رب السَّمَوَات والارض بصائر وَإِنِّي لاظنك يَا فِرْعَوْن مثبورا أَي هَالكا على قِرَاءَة من فتح التَّاء وَهِي قِرَاءَة الْجُمْهُور وَضمّهَا الْكسَائي وَحده وَقِرَاءَة الْجُمْهُور احسن واوضح وافخم معنى وَبهَا تقوم الدّلَالَة وَيتم الالزام بتحقق كفر فِرْعَوْن وعناده وَيشْهد

<<  <  ج: ص:  >  >>