من عِنْد الله مُصدق لمامعهم نبذ فريق من الَّذين اوتوا الْكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ كانهم لَا يعلمُونَ فَلَمَّا شبههم فِي فعلهم هَذَا بِمن لَا يعلم دلّ على انهم بنذوه عَن علم كَفعل من لَا يعلم تَقول إِذا خاطبت من عصاك عمدا كانك لم تعلم مَا فعلت اَوْ كانك لم تعلم بنهي إياك وَمِنْه على اُحْدُ الْقَوْلَيْنِ قَوْله تَعَالَى {فَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ الْمُبين يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرهم الْكَافِرُونَ} قَالَ السدى يعْنى مُحَمَّدًا وَاخْتَارَهُ الزّجاج فَقَالَ يعْرفُونَ أَن امْر مُحَمَّد حق ثمَّ يُنكرُونَ ذَلِك وَأول الاية يشْهد لهَذَا القَوْل وَقَالَ تَعَالَى واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا فَأتبعهُ الشَّيْطَان فَكَانَ من الغاوين وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا وَلكنه اخلد إِلَى الارض وَاتبع هَوَاهُ فَمثله كَمثل الْكَلْب قَالُوا فَهَل بعد هَذِه الاية بَيَان فَإِن هَذَا آتَاهُ الله آيَاته فانسلخ مِنْهَا وآثر الضلال والغي وقصته مَعْرُوفَة حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ اوتى الِاسْم الاعظم وَمَعَ هَذَا فَلم يَنْفَعهُ علمه وَكَانَ من الغاوين فَلَو استلزم الْعلم والمعرفة الْهِدَايَة لاستلزمه فِي حق هَذَا وَقَالَ تَعَالَى {وعادا وَثَمُود وَقد تبين لكم من مساكنهم وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل وَكَانُوا مستبصرين} وَهَذَا يدل على ان قَوْلهم {يَا هود مَا جئتنا بِبَيِّنَة وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك وَمَا نَحن لَك بمؤمنين} إِمَّا بهت مِنْهُم وجحود وَإِمَّا نفي لايات الاقتراح والعنت وَلَا يجب الاتيان بهَا وَقد وصف سُبْحَانَهُ ثَمُود بانها كفرت عَن علم وبصيرة بِالْحَقِّ وَلِهَذَا قَالَ {وآتينا ثَمُود النَّاقة مبصرة فظلموا بهَا} يَعْنِي بَيِّنَة مضيئة وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرة} أَي مضيئة وَحَقِيقَة اللَّفْظ انها تجْعَل من رَآهَا مبصرا فَهِيَ توجب لَهُ الْبَصَر فتبصره أَي تَجْعَلهُ ذَا بصر فَهِيَ مُوضحَة مبينَة يُقَال بصر بِهِ إِذا رَآهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {فبصرت بِهِ عَن جنب} وَقَوله {بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ} واما ابصره فَلهُ مَعْنيانِ احدهما جعله باصرا بالشَّيْء أَي ذَا بصر بِهِ كاية النَّهَار وَآيَة ثَمُود وَالثَّانِي بِمَعْنى رَآهُ كَقَوْلِك ابصرت زيدا وَفِي حَدِيث ابي شُرَيْح الْعَدْوى احدثك قولا قَالَ بِهِ رَسُول الله يَوْم الْفَتْح فَسَمعته أذناي ووعاه قلبِي وابصرته عَيْنَايَ حِين تكلم بِهِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فتول عَنْهُم حَتَّى حِين وأبصرهم فسوق يبصرون قيل الْمَعْنى ابصرهم وَمَا يقْضى عَلَيْهِم من الاسر وَالْقَتْل وَالْعَذَاب فِي الاخرة فَسَوف يبصرونك وَمَا يقْضى لَك من النَّصْر والتأييد وَحسن الْعَاقِبَة وَالْمرَاد تقريب المبصر من الْمُخَاطب حَتَّى كانه نصب عَيْنَيْهِ وَرَأى ناظريه وَالْمَقْصُود ان الاية اوجبت لَهُم البصيرة فآثروا الضلال وَالْكفْر عَن علم ويقين وَلِهَذَا وَالله اعْلَم ذكر قصتهم من بَين قصَص سَائِر الامم فِي سُورَة وَالشَّمْس وَضُحَاهَا لانه ذكر فِيهَا انقسام النُّفُوس الى الزكية الراشدة المهتدية والى الْفَاجِرَة الضَّالة الغاوية وَذكر فِيهَا الاصلين الْقدر وَالشَّرْع فَقَالَ {فألهمها فجورها}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute