للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالنصارى وَالْمُشْرِكين وَهَذِه الاقوال الثَّلَاثَة فِي مَذْهَب الامام احْمَد وَغَيره وعَلى هَذَا فانما لم يحكم لهَؤُلَاء الْيَهُود الَّذين شهدُوا لَهُ بالرسالة بِحكم الاسلام لَان مُجَرّد الاقرار والاخبار بِصِحَّة رسَالَته لَا يُوجب الاسلام إِلَّا ان يلْزم طَاعَته ومتابعته وَإِلَّا فَلَو قَالَ انا اعْلَم انه نَبِي وَلَكِن لَا اتبعهُ وَلَا ادين بِدِينِهِ كَانَ من اكفر الْكفَّار كَحال هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين وَغَيرهم وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وائمة السّنة ان الايمان لَا يَكْفِي فِي قَول اللِّسَان بِمُجَرَّدِهِ وَلَا معرفَة الْقلب مَعَ ذَلِك بل لَا بُد فِيهِ من عمل الْقلب وَهُوَ حبه لله وَرَسُوله وانقياده لدينِهِ والتزامه طَاعَته ومتابعة رَسُوله وَهَذَا خلاف من زعم ان الايمان هُوَ مُجَرّد معرفَة الْقلب واقراره وَفِيمَا تقدم كِفَايَة فِي إبِْطَال هَذِه الْمقَالة وَمن قَالَ ان الايمان هُوَ مُجَرّد اعْتِقَاد صدق الرَّسُول فِيمَا جَاءَ بِهِ وَإِن لم يلْتَزم مُتَابَعَته وعاداه وابغضه وقاتله لزمَه ان يكون هَؤُلَاءِ كلهم مُؤمنين وَهَذَا إِلْزَام لامحيد عَنهُ وَلِهَذَا اضْطربَ هَؤُلَاءِ فِي الْجَواب عَن ذَلِك لما ورد عَلَيْهِم وَأَجَابُوا بِمَا يستحي الْعَاقِل من قَوْله كَقَوْل بَعضهم إِن إِبْلِيس كَانَ مستهزئا وَلم يكن يقر بِوُجُود الله وَلَا بِأَن الله ربه وخالقه وَلم يكن يعرف ذَلِك وَكَذَلِكَ فِرْعَوْن وَقَومه لم يَكُونُوا يعْرفُونَ صِحَة نبوة مُوسَى وَلَا يَعْتَقِدُونَ وجود الصَّانِع وَهَذِه فضائح نَعُوذ بِاللَّه من الْوُقُوع فِي أَمْثَالهَا ونصرة المقالات وتقليد اربابها تحمل على أَكثر من هَذَا ونعوذ بِاللَّه من الخذلان قَالُوا وَقد بَين الْقُرْآن ان الْكفْر اقسام احدها كفر صادر عَن جهل وضلال وتقليد الاسلاف وَهُوَ كفر أَكثر الِاتِّبَاع والعوام الثَّانِي كفر جحود وعناد وَقصد مُخَالفَة الْحق ككفر من تقدم ذكره وغالب مَا يَقع هَذَا النَّوْع فِيمَن لَهُ رياسة علمية فِي قومه من الْكفَّار اَوْ رياسة سلطانية اَوْ من لَهُ ماكل واموال فِي قومه فيخاف هَذَا على رياسته وَهَذَا على مَاله ومأكله فيؤثر الْكفْر على الايمان عمدا الثَّالِث كفر إِعْرَاض مَحْض لَا ينظر فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَلَا يُحِبهُ وَلَا يبغضه وَلَا يواليه وَلَا يعاديه بل هُوَ معرض عَن مُتَابَعَته ومعاداته وَهَذَانِ القسمان أَكثر الْمُتَكَلِّمين ينكرونهما وَلَا يثبتون من الْكفْر إِلَّا الاول ويجعلون الثَّانِي وَالثَّالِث كفرا لدلالاته على الاول لَا لِأَنَّهُ فِي ذَاته كفر فَلَيْسَ عِنْدهم الْكفْر إِلَّا مُجَرّد الْجَهْل وَمن تَأمل الْقُرْآن وَالسّنة وسير الانبياء فِي أممهم ودعوتهم لَهُم وَمَا جرى لَهُم مَعَهم جزم بخطأ اهل الْكَلَام فِيمَا قَالُوهُ وَعلم ان عَامَّة كفر الامم عَن تَيَقّن وَعلم وَمَعْرِفَة بِصدق انبيائهم وَصِحَّة دَعوَاهُم وَمَا جاؤا بِهِ وَهَذَا الْقُرْآن مَمْلُوء من الاخبار عَن الْمُشْركين عباد الاصنام انهم كَانُوا يقرونَ بِاللَّه وانه هُوَ وَحده رَبهم وخالقهم وَأَن الارض وَمَا فِيهَا لَهُ وَحده وَأَنه رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم وانه بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ وَأَنه هُوَ الَّذِي سخر الشَّمْس وَالْقَمَر وَانْزِلْ الْمَطَر واخرج النَّبَات وَالْقُرْآن منادعليهم بذلك مُحْتَج بِمَا أقرُّوا بِهِ من ذَلِك على صِحَة مَا دعتهم اليه رسله

<<  <  ج: ص:  >  >>