للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكيف يُقَال ان الْقَوْم لم يَكُونُوا مقرين قطّ بَان لَهُم رَبًّا وخالقا وَهَذَا بهتان عَظِيم فالكفر امْر وَرَاء مُجَرّد الْجَهْل بل الْكفْر الاغلظ هُوَ مَا انكره هَؤُلَاءِ وَزَعَمُوا انه لَيْسَ بِكفْر قَالُوا وَالْقلب عَلَيْهِ واجبان لَا يصيره مُؤمنا الا بهما جَمِيعًا وَاجِب الْمعرفَة وَالْعلم وواجب الْحبّ والانقياد والاستسلام فَكَمَا لَا يكون مُؤمنا إِذا لم يَأْتِ بِوَاجِب الْعلم والاعتقاد لَا يكون مُؤمنا إِذا لم يَأْتِ بِوَاجِب الْحبّ والانقياد والاستسلام بل إِذا ترك هَذَا الْوَاجِب مَعَ علمه ومعرفته بِهِ كَانَ اعظم كفرا وابعد عَن الايمان من الْكَافِر جهلا فَإِن الْجَاهِل إِذا عرف وَعلم فَهُوَ قريب إِلَى الانقياد والاتباع وَأما المعاند فَلَا دَوَاء فِيهِ قَالَ تَعَالَى {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم وشهدوا أَن الرَّسُول حق وجاءهم الْبَينَات وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} قَالُوا فحب الله وَرَسُوله بل كَون الله وَرَسُوله احب الى العَبْد من سواهُمَا لَا يكون العَبْد مُسلما الا بِهِ وَلَا ريب ان الْحبّ امْر وَرَاء الْعلم فَمَا كل من عرف الرَّسُول احبه كَمَا تقدم قَالُوا وَهَذَا لحاسد يحملهُ بغض الْمَحْسُود على معاداته وَالسَّعْي فِي اذاه بِكُل مُمكن مَعَ علمه بفضله وَعلمه وانه لَا شَيْء فِيهِ يُوجب عداوته إِلَّا محاسنه وفضائله وَلِهَذَا قيل الْحَاسِد عَدو للنعم والمكارم فالحاسد لم يحملهُ على معاداة الْمَحْسُود جَهله بفضله وكماله وَإِنَّمَا حمله على ذَلِك إِفْسَاد قَصده وإرادته كَمَا هِيَ حَال الرُّسُل وورثتهم مَعَ الرؤساء الَّذين سلبهم الرُّسُل ووارثوهم رئاستهم الْبَاطِلَة فعادوهم وصدوا النُّفُوس عَن متابعتهم ظنا ان الرياسة تبقى لَهُم وينفردون بهَا وَسنة الله فِي هَؤُلَاءِ ان يسلبهم رياسة الدُّنْيَا والاخرة ويصغرهم فِي عُيُون الْخلق مُقَابلَة لَهُم بنقيض قصدهم {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} فَهَذَا موارد احتجاج الْفَرِيقَيْنِ وموقف اقدام الطَّائِفَتَيْنِ فاجلس ايها الْمنصف مِنْهُمَا مجْلِس الْحُكُومَة وتوخ بعلمك وعدلك فصل هَذِه الْخُصُومَة فقد ادلى كل مِنْهُمَا بحجج لَا تعَارض ولاتمانع وَجَاء ببينات لَا ترد وَلَا تدافع فَهَل عنْدك شَيْء غير هَذَا يحصل بِهِ فصل الْخطاب وينكشف بِهِ لطَالب الْحق وَجه الصَّوَاب فيرضى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَزُول بِهِ الِاخْتِلَاف من الْبَين وَإِلَّا فَخَل الْمطِي وحاديها واعط النُّفُوس باريها

دع الْهوى لِأُنَاس يعْرفُونَ بِهِ ... قد كابدوا الْحبّ حَتَّى لَان اصعبه

وَمن عرف قدره وَعرف لذِي الْفضل فَضله فقد قرع بَاب التَّوْفِيق وَالله الفتاح الْعَلِيم فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

كلا الطَّائِفَتَيْنِ مَا خرجت عَن مُوجب الْعلم وَلَا عدلت عَن سنَن الْحق وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف والتباين بَينهمَا من عدم التوارد على مَحل وَاحِد وَمن اطلاق الفاظ مجملة بتفصيل مَعَانِيهَا يَزُول الِاخْتِلَاف وَيظْهر ان كل طَائِفَة مُوَافقَة الاخرى على نفس قَوْلهَا وَبَيَان هَذَا ان الْمُقْتَضى قِسْمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>