للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا حل، فَأنْتم المسؤلون بَين يَدي ربكُم عَن ضيَاع هَذِه الْأمة بِسَبَب إعراضكم عَن كتاب الله.

السَّبَب الثَّانِي: مرتباتهم الضخمة، وجراياتهم الْكَثِيرَة، فَإِن الَّذين يَأْخُذُونَ خمسين وَسِتِّينَ جنيها إِلَى تسعين وَمِائَة وَمِائَتَيْنِ إِلَى خَمْسمِائَة وسِتمِائَة مرغمون ومضطرون إِلَى تنميق مآكلهم ومشاربهم وملابسهم ومناكحهم ومساكنهم وأتومبيلاتهم وجراجاتهم، واستثمار أَمْوَالهم، وتكثير أطيانهم وعزبهم، وقصورهم، وبنائهم، وتشييدهم، وتجديدهم، وتصليحهم، لكل ذَلِك وَهَذَا وَغَيره يحْتَاج ضَرُورَة إِلَى ضيَاع أَكثر الْأَوْقَات.

ثمَّ اعْلَم أَنا لَا نقُول لَهُم: ألقوا بأموالكم فِي الْبَحْر، أَو بددوها أَو وزعوها على النَّاس، كلا كلا، بل نَحن نعلم أَن عزة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين لَا تكون إِلَّا بالأموال وَلَكنَّا نقُول لَهُم: {جاهدوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل الله} انشروا عُلُوم الْإِسْلَام على الْمُسلمين، وافتحوا لَهُم فِي الْبِلَاد الْمدَارِس وقرروا فِيهَا حفظ الْقُرْآن وتدريس التفاسير وَكتب السّنة والتوحيد، ووظفوا فِيهَا الْعلمَاء العاملين، ورتبوا لَهُم المرتبات، واحبسوا عَلَيْهَا الْأَوْقَاف، فَإِن خريجي الْأَزْهَر يكثرون عَاما بعد عَام وَلَا يَجدونَ كسباً يعيشون بِهِ كَمَا تعيشون، بل هم عَالَة على أَهْليهمْ وأقاربهم وعَلى النَّاس، يعْملُونَ كل الْوَسَائِل للحصول على وَظِيفَة بِمَسْجِد يتعيشون مِنْهَا، ويجلسون ينتظرون السنين العديدة حَتَّى يبيعوا كتبهمْ ويخرجوا إِلَى بِلَاد الأرياف كي يسهر الْوَاحِد مِنْهُم فِي رَمَضَان عِنْد رجل بجنيه وَاحِد وَبَعْضهمْ يعظون فِي الْمَسَاجِد وَبعد الْوَعْظ يَقُول الْوَاحِد للنَّاس: إِنَّنِي عَالم مُسَافر إِلَى بلدي، وَلَيْسَ معي مَا يوصلني فساعدوني، وَبَعْضهمْ يبكي وَيَقُول: احْتَرَقَ منزلي أَو ثِيَابِي أَو يَقُول: سرقني النشال، وهم كاذبون، وَإِنَّمَا أوقعهم فِي الْكَذِب شدَّة مَا هم فِيهِ من الْفقر والفاقة، فَهَلا كفيتم هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين ذل السُّؤَال، هلا سافرتم إِلَى الْبِلَاد ففتشتم على بلد لَيْسَ فِيهِ علم فأسستم فِيهِ مَسْجِدا ورتبتم فِيهِ

<<  <   >  >>