للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضيق مخرجا، ورزقهم من حَيْثُ لَا يحتسبون، ولرزقهم كَمَا يرْزق الطير تَغْدُو خماصا وتعود بطانا.

ثمَّ إِن الْعلمَاء لما أَعرضُوا عَن كتاب رَبهم أَصَابَهُم أَيْضا ضنك الْعَيْش فَأَصْبحُوا يقفون على أَبْوَاب الظَّالِمين أَبنَاء الدُّنْيَا أَرْبَاب المناصب الشُّهُور والسنين لتحصلوا مِنْهُم على وساطة لوظيفة يقتاتون مِنْهَا، فضاعوا وأضاعوا أمتهم وَضَلُّوا وأضلوا؛ هَذَا وَإِن الله سُبْحَانَهُ قد تكفل لكل عبد عمل الصَّالِحَات بِالْحَيَاةِ الطّيبَة فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة يُوفيه أجره أضعافا مضاعفة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {من عمل صَالحا من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن فلنحيينه حَيَاة طيبَة ولنجزينهم أجرهم بِأَحْسَن مَا كَانُوا يعْملُونَ} فَتبين بِهَذَا أَن إِعْرَاض الْعلمَاء عَن الدّين وَالْكتاب الْمُبين هُوَ السَّبَب الْأَكْبَر فِي ضيَاع هَذِه الْأمة المسكينة، وَلَو أخذُوا بِيَدِهَا لرفعوها إِلَى أعلا عليين، وسادوا أهل الأَرْض إِلَى يَوْم الدّين.

وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول: هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أكفر النَّاس بِاللَّه وأعصاهم لَهُ، وَإِنَّا لَا نراهم إِلَّا فِي أرغد الْعَيْش وأرفهه، وألذ الْقُوت وأطيبه، فَمَا لَهُم لم يصابوا مثلهَا بضنك الْعَيْش وضيق الرزق؟

فَالْجَوَاب: أَن الله سُبْحَانَهُ ممهلهم وسيأخذهم قَرِيبا أَخذ عَزِيز مقتدر، فَهُوَ اسْتِدْرَاج مِنْهُ تَعَالَى {سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} كَمَا قَالَ تَعَالَى {وأملي لَهُم إِن كيدي متين} وَقد أخبر تَعَالَى عَن إخْوَان هَؤُلَاءِ الْكَافرين خَبرا تقشعر مِنْهُ جُلُود الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: (وَلَقَد أرسلنَا إِلَى أُمَم من قبلك فأخذناهم بالبأساء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ، فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا، وَلَكِن قست قُلُوبهم وزين لَهُم الشَّيْطَان مَا كَانُوا يعْملُونَ فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذا هم مبلسون، فَقطع دابر

<<  <   >  >>