للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ، فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه، فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان - فِي رِوَايَة - وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل " أهـ.

وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ: " ولتكن مِنْكُم أمة، ولتكونوا أمة وَمن صلَة لَيست للتَّبْعِيض كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان " وَلم يرد اجْتِنَاب بعض الْأَوْثَان، بل أَرَادَ فَاجْتَنبُوا الْأَوْثَان وَاللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: " ولتكن " لَام الْأَمر أه. وَالصَّوَاب مَا ذكره ابْن كثير وَهُوَ مُوَافق لما ذكره النَّيْسَابُورِي فِي تَفْسِيره، وَهُوَ: وَاخْتلفُوا فِي أَن كلمة من قَوْله تَعَالَى " ولتكن مِنْكُم " للتبيين أَو للتَّبْعِيض، فَذهب طَائِفَة إِلَى أَنَّهَا للتبيين، لِأَنَّهُ مَا من مُكَلّف إِلَّا وَيجب عَلَيْهِ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِمَّا بِيَدِهِ، أَو بِلِسَانِهِ، أَو بِقَلْبِه. وَكَيف لَا وَقد وَصفهم الله تَعَالَى بقوله: (كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} فَهَذَا كَقَوْلِك لفُلَان من أَوْلَاده جند، وللأمير من غلمانه عَسْكَر، تُرِيدُ جَمِيع الْأَوْلَاد والغلمان لَا بَعضهم، ثمَّ قَالُوا: إِن ذَلِك وَإِن كَانَ وَاجِبا على الْكل إِلَّا أَنه مَتى قَامَ بِهِ بعض سقط عَن البَاقِينَ كَسَائِر فروض الكفايات، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا للتَّبْعِيض، إِمَّا لِأَن فِي الْقَوْم من لَا يقدر على الدعْوَة وعَلى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، كالنساء والمرضى والعاجزين، وَإِمَّا لِأَن هَذَا التَّكْلِيف مُخْتَصّ بالعلماء الَّذين يعْرفُونَ الْخَيْر مَا هُوَ، وَالْمَعْرُوف وَالْمُنكر مَا هما، ويعلمون كَيفَ يرتب الْأَمر فِي إقامتهما، وَكَيف يُبَاشر، فَإِن الْجَاهِل رُبمَا ينْهَى عَن مَعْرُوف، وَيَأْمُر بمنكر، وَرُبمَا عرف الحكم فِي مذْهبه وجهله فِي مَذْهَب صَاحبه فَنَهَاهُ عَن غير مُنكر، وَقد يغلظ فِي مَوضِع اللين، ويلين فِي مَوضِع الغلظة. وينكر على من لَا يزِيدهُ إِنْكَاره إِلَّا تمادياً. وَأَيْضًا قد أجمعنا على أَن ذَلِك وَاجِب على الْكِفَايَة. فَكَانَ هَذَا بِالْحَقِيقَةِ إِيجَابا على البغض الَّذِي

<<  <   >  >>