فَجِئْته بهما، فَقَالَ: من أَنْتُمَا، أَو من أَيْن أَنْتُمَا؟ قَالَ: من أهل الطَّائِف، قَالَ: لَو كنتما من أهل الْبَلَد لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما فِي مَسْجِد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؟ ".
وَأما تنديد الشَّيْخ السُّبْكِيّ فِي الدِّيوَان على الْمُتَكَلّم حَال الْوضُوء بقوله:(وَاعْلَمُوا أَن من تكلم فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع فقد أوقع نَفسه فِي المهالك، ونادى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جهول خسيس، أَو الْجُنُون عراه، فتوضؤا وَأَنْتُم عَن كَلَام الدُّنْيَا ساكتون) فَهُوَ كَلَام مِمَّا لَا حق فِيهِ أصلا وَهل هَذَا النَّهْي آتٍ من جِهَة السّنة الصَّحِيحَة، أَو هُوَ من آراء متأخري الْفُقَهَاء؟ ثمَّ إِن كَلَام الْمُتَوَضِّئ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بالوارد الَّذِي قدمنَا ذكره فِي فضل أذكار الْوضُوء، فَهَذِهِ عبَادَة فاضلة مَشْرُوعَة، وَإِمَّا أَن يكون بالأذكار المبتدعة أَو الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة، فَهِيَ عبَادَة مَرْدُودَة، وَإِمَّا أَن يكون الْكَلَام فِي مصلحَة دنيوية، فَهُوَ جَائِز لَا شَيْء فِيهِ أصلا، إِلَّا إِن ظهر لنا دَلِيل من السّنة الصَّحِيحَة يدل على مَنعه، وَإِمَّا أَن يكون الْكَلَام لغير مصلحَة، فَهُوَ لَغْو من القَوْل أَفْلح من أعرض عَنهُ فِي وَقت الْوضُوء وَغَيره. قَالَ تَعَالَى {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون} ، وَإِمَّا أَن يكون الْكَلَام بالبذاء وَالْفُحْش، أَو الْغَيْبَة والسب والشتم، فَهَذَا حرَام لَا شكّ فِيهِ، وَإِمَّا أَن يكون للسخرية، وإضحاك النَّاس، فَهَذَا زِيَادَة على أَنه مميت للقلب، فِيهِ عِقَاب شَدِيد لما فِي الحَدِيث: " إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا يرى بهَا بَأْسا ليضحك بهَا الْقَوْم؛ وَإنَّهُ ليَقَع بهَا أبعد من السَّمَاء - وَفِي رِوَايَة: يهوى بهَا سبعين خَرِيفًا فِي النَّار " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. وَأما من منع الْكَلَام على الْوضُوء منعا مُطلقًا إِلَّا بِذكر الله، فَإنَّا نطالبه بِالدَّلِيلِ، فَإِن جَاءَ بِهِ فعلى الرَّأْس وَالْعين.
وللمناسبة نذْكر هُنَا قَول الشَّيْخ السُّبْكِيّ فِي الدِّيوَان أَيْضا صفحة ١٩ {وَقد قَالُوا: إِن الله تَعَالَى يَجْعَل على من يتَوَضَّأ خيمة من النُّور، فَإِذا تلفظ بِكَلَام