الَّتِي بقيت لصبيته وأرامله، فينفقونها على الجوخة والقطنية، ويتداينون أَو يبيعون أَو يرهنون شَيْئا من تركته، ثمَّ يتركون نِسَاءَهُ وَعِيَاله يشحذون ويتضورون جوعا وَلَا يفكرون فِيمَا يقاسيه هَؤُلَاءِ البؤساء من الشَّقَاء والضياع، على أَن الَّذين فعلوا هَذِه الفعلة الشنعاء فِي مَال هَؤُلَاءِ التعساء، لَا ترق قُلُوبهم عَلَيْهِم يَوْمًا فيعاونونهم وَلَو بالتافه من المَال، كَمَا كَانُوا أبخل النَّاس وأشحهم بمساعدة هَذَا الْمَيِّت فِي أَيَّام مَرضه الطَّوِيلَة.
وَهَؤُلَاء مَا فعلوا ذَلِك ابْتِغَاء رضوَان الله، وَإِنَّمَا فَعَلُوهُ للفخر والرياء والسمعة، وليقال: كَانَ صفة كفن فلَان كَذَا وَكَذَا، وليدفعوا عَن أنفسهم بزعمهم سوء السمعة، وَطعن النَّاس فِي أعراضهم، على أَن هَذَا الْمَيِّت عَاشَ طول حَيَاته لم يلبس وَلم يَأْكُل إِلَّا الدون المهين، عَاشَ وَمَات حافيا عَارِيا جائعا.
وَمن السخافة والبرود والسماجة، أَنهم يظهرون طرف الْكَفَن من سَرِير الْمَيِّت عِنْد سيرهم إِلَى الْجَبانَة، وأشنع من هَذَا وأفحش أَنهم يخرقون هَذَا الْكَفَن الغالي بالسكين مَخَافَة سطو لصوص الْمَقَابِر على هَذَا الْمَيِّت فِي قَبره، فَهَل من سَوط يابسة، بل نعل ثَقيلَة تتسلط على رُءُوس هَؤُلَاءِ الأغفال حَتَّى ترد عَلَيْهِم عُقُولهمْ؟ .
يَا هَؤُلَاءِ: أَلا فاعلموا أَن هَذَا من أكبر الْكَبَائِر، وأفحش الجرائم، إِذْ فِيهِ مَعْصِيّة الله، وضياع الأسرة، هَذَا عين التبذير، وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تبذر تبذيرا إِن المبذرين كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين وَكَانَ الشَّيْطَان لرَبه كفورا} ، {كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا إِنَّه لَا يحب المسرفين} ، {وَأَن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار} . {كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى} فتوبوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا (عَسى ربكُم أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute