للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَزْوِيجِ الْبِنْتِ لَا يُحَرِّمُ تَزْوِيجَ الْأُمِّ, وَالْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لَا يُحَرِّمُ نِكَاحَ أُخْتِهَا; فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَمْنَعَ قُدْرَتُهُ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ بَلْ الْأَمَةُ أَيْسَرُ أَمْرًا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأُخْتَيْنِ وَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ; وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ جَوَازُ اجْتِمَاعِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ تَحْتَهُ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَامْتِنَاعُ اجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتَيْنِ تَحْتَهُ, فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إمْكَانُ تَزْوِيجِ الْبِنْتِ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ حُكْمًا مَانِعًا مِنْ الْأُمِّ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لِإِمْكَانِ تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْأَمَةِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} , وَأَنَّهُ أَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ وَخَشْيَةَ الْعَنَتِ, فَلَا تَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا; وَهَذِهِ الْآيَةُ قَاضِيَةٌ عَلَى مَا تَلَوْت مِنْ الْآيِ لِمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْأَمَةِ فِي التَّزْوِيجِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَظْرُ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي حَالِ وُجُودِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ. وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَتُهُ فِي حَالِ عَدَمِ الطَّوْلِ إلَيْهَا, وَسَائِرُ الْآيِ الَّتِي تَلَوْنَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ نِكَاحِهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ, فَلَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْأُخْرَى لِوُرُودِهِمَا جَمِيعًا فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ, وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَظْرٌ, فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ مُخَصِّصَةٌ لَهَا; وَالْجَمِيعُ وَارِدٌ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: ٤] فَكَانَ مُقْتَضَى جَمِيعِ ذَلِكَ امْتِنَاعُ جَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ مَا قَبْلَهُ. قِيلَ لَهُ: لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفَرْضَ بَدِيًّا عِتْقَ رَقَبَةٍ, فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ هُوَ الْعِتْقُ لَا غَيْرُ, فَلَمَّا نَقَلَهُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّقَبَةِ إلَى الصِّيَامِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُجْزِيَ غَيْرُهُ إذَا عَدِمَ الرَّقَبَةَ, فَلَمَّا قَالَ: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: ٤] كَانَ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ مَقْصُورًا عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ التَّرْتِيبِ, وَلَيْسَ مَعَك آيَةٌ تَحْظُرُ نِكَاحَ الْإِمَاءِ حَتَّى إذَا ذَكَرْت إبَاحَتَهُنَّ بِشَرْطٍ وَحَالٍ كَانَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالْحَالُ مُوجِبًا لَحَظْرِهِنَّ, بَلْ سَائِرُ الْآيِ الْوَارِدَةُ فِي إبَاحَةِ النِّكَاحِ لَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ, فَلَيْسَ إذًا فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} دَلَالَةٌ عَلَى حَظْرِهِنَّ عِنْدَ وُجُودِ الطَّوْلِ إلَى الْحَرَائِرِ.

وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْآيَةَ وَذَكَرَ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِيهَا, ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي تَجْوِيزِهِمْ نِكَاحَ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَزْوِيجِ الْحُرَّةِ, فَقَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ تَجَاوَزَ فَسَادُهُ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ; لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي الْكِتَابِ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي أُبِيحَتْ. قَالَ أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>