للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةُ خِيَارٍ, وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ". وَقَوْلُهُ: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا" هُوَ عَلَى الِافْتِرَاقِ بِالْقَوْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: "وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ"؟ وَهَذَا هُوَ افْتِرَاقُ الْأَبْدَانِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بِالْقَوْلِ وَصِحَّةُ وُقُوعِ الْعَقْدِ بِهِ, وَالِاسْتِقَالَةُ هُوَ مَسْأَلَةُ الْإِقَالَةِ; وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى نَفْيِ الْخِيَارِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعَقْدِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَمَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَهُ الْإِقَالَةَ بَلْ كَانَ هُوَ يَفْسَخُهُ بِحَقِّ الْخِيَارِ الَّذِي لَهُ فِيهِ, وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَحُصُولِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهِ, فَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخِيَارِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ: "وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى إقَالَتِهِ إذَا سَأَلَهُ إيَّاهَا مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ مَكْرُوهٌ لَهُ أَنْ لَا يُجِيبَهُ إلَيْهَا, وَأَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ مُخَالِفٌ لَهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْهُ فِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ إجَابَتِهِ إلَى الْإِقَالَةِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ قَبْلَهَا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّعَانِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ". وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا" , فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ كُلَّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِنَفْيِهِ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ السَّوْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا قَدْ تَبَايَعَا لَمْ يَنْفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَايُعَهُمَا مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَوُقُوعِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِي مَا قَدْ أَثْبَتَ; فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْمُتَسَاوِمَانِ اللَّذَانِ قَدْ قَصَدَا إلَى التَّبَايُعِ وَأَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لِلْمُشْتَرِي وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي إلَى شِرَائِهِ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ "بِعْنِي" فَنَفَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِالْقَوْلِ وَالْقَبُولِ; إذْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ "بِعْنِي" قَبُولًا لِلْعَقْدِ وَلَا مِنْ أَلْفَاظِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِهِ, فَإِذَا قَالَ "قَدْ قَبِلْت" وَقَعَ الْبَيْعُ; فَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاقُ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَ نَظَائِرِهِ فِي إطْلَاقِ ذَلِكَ فِي اللِّسَانِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْيِهِ الْبَيْعَ حَالَ إيقَاعِ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؟ وَإِنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ لِمَا لَهُمَا فِيهِ مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ, مِنْ قِبَلِ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ اسْمِ الْبَيْعِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثْبَتَ بَيْنَهُمَا الْبَيْعَ إذَا شَرَطَا فِيهِ الْخِيَارَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>