للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُوجِبُهُ حُكْمُ اللَّهِ, فَإِذَا اخْتَلَفَا وَادَّعَى النُّشُوزَ وَادَّعَتْ هِيَ عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي حُقُوقِهَا, حِينَئِذٍ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِيَتَوَلَّيَا النَّظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَرُدَّا إلَى الْحَاكِمِ مَا يَقِفَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمَا. وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهَا وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِهِ لِئَلَّا تَسْبِقَ الظِّنَّةُ إذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ بِالْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا, فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قِبَلِهِ وَالْآخَرُ مِنْ قِبَلِهَا زَالَتْ الظِّنَّةُ وَتَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّنْ هُوَ مِنْ قِبَلِهِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا قَوْلُهُ: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} عَلَى أَنَّ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ وَكِيلٌ لَهُ, وَاَلَّذِي مِنْ أَهْلِهَا وَكِيلٌ لَهَا, كَأَنَّهُ قَالَ: فَابْعَثُوا رَجُلًا مِنْ قِبَلِهِ وَرَجُلًا مِنْ قِبَلِهَا; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَجْمَعَا إنْ شَاءَا وَإِنْ شَاءَا فَرَّقَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا.

وَزَعَمَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا أَمْرَ الْحَكَمَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا تَكَذُّبٌ عَلَيْهِمْ, وَمَا أَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِفْظُ لِسَانِهِ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَحْكِيهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِكَلَامِهِ قَلَّ كَلَامُهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ. وَأَمْرُ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ, فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَلِّهِمْ مِنْ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ وَلَكِنْ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا وَكِيلَيْنِ لَهُمَا, أَحَدُهُمَا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ وَكِيلُ الزَّوْجِ؟ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: أَتَى عَلِيًّا رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ, فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا شَأْنُ هَذَيْنِ؟ قَالُوا: بَيْنَهُمَا شِقَاقٌ, قَالَ: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} , فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تَفَرَّقَا. فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ, فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا, فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْت وَاَللَّهِ لَا تَنْفَلِت مِنِّي حَتَّى تُقِرَّ كَمَا أَقَرَّتْ. فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ أَنَّ قَوْلَ الْحَكَمَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِسَاءَةِ إلَيْهَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى طَلَاقِهَا قَبْلَ تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالنُّشُوزِ لَمْ يُجْبِرْهَا الْحَاكِمُ عَلَى خُلْعٍ وَلَا عَلَى رَدِّ مَهْرِهَا; فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُمَا قَبْلَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ بَعْثِهِمَا لَا يَجُوزُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَى الزَّوْجِ وَتَوْكِيلِهِ وَلَا إخْرَاجُ الْمَهْرِ عَنْ مِلْكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا; فَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُمَا لَا يَجُوزُ خَلْعُهُمَا إلَّا بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ, فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا إلَّا بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>