للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمْلِكُهُ الْحَكَمَانِ؟ وَإِنَّمَا الْحَكَمَانِ وَكِيلَانِ لَهُمَا أَحَدُهُمَا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي الْخُلْعِ أَوْ فِي التَّفْرِيقِ بِغَيْرِ جُعْلٍ إنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ جُعِلَ إلَيْهِ ذَلِكَ.

قَالَ إسْمَاعِيلُ: "الْوَكِيلُ لَيْسَ بِحَكَمٍ وَلَا يَكُونُ حَكَمًا إلَّا وَيَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى". وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ; لِأَنَّ مَا ذَكَرَ لَا يَنْفِي مَعْنَى الْوَكَالَةِ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا أَيْضًا إلَّا وَيَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ. فَجَوَازُ أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ عَلَيْهِمَا لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حَدِّ الْوَكَالَةِ, وَقَدْ يَحْكُمُ الرَّجُلَانِ حُكْمًا فِي خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لَهُمَا فِيمَا يَتَصَرَّفُ بِهِ عَلَيْهِمَا, فَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ لَزِمَهُمَا, بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ فِي شِقَاقِ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ يُغَادِرُ أَمْرُهُمَا مِنْ مَعْنَى الْوَكَالَةِ شَيْئًا; وَتَحْكِيمُ الْحَكَمِ فِي الْخُصُومَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُشْبِهُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مِنْ وَجْهٍ وَيُشِبْهُ الْوَكَالَةَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا. وَالْحَكَمَانِ فِي الشِّقَاقِ إنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِوَكَالَةٍ مَحْضَةٍ كَسَائِرِ الْوِكَالَاتِ.

قَالَ إسْمَاعِيلُ: "وَالْوَكِيلُ لَا يُسَمَّى حَكَمًا". وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ظَنَّ; لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ هَهُنَا الْوَكِيلُ حَكَمًا تَأْكِيدًا لِلْوَكَالَةِ الَّتِي فُوِّضَتْ إلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ أَمْرُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ أَبَيَا" فَلَيْسَ كَذَلِكَ, وَلَا يَجُوزُ أَمْرُهُمَا عَلَيْهِمَا إذَا أَبَيَا; لِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ, وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا وَيَعْرِفُ أُمُورَ الْمَانِعِ مِنْ الْحَقِّ مِنْهُمَا حَتَّى يَنْقُلَا إلَى الْحَاكِمِ مَا عَرَفَاهُ مِنْ أَمْرِهِمَا, فَيَكُونُ قَوْلُهُمَا مَقْبُولًا فِي ذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا, وَيَنْهَى الظَّالِمُ مِنْهُمَا عَنْ ظُلْمِهِ; فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَا سُمِّيَا حَكَمَيْنِ لِقَبُولِ قَوْلِهِمَا عَلَيْهِمَا, وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَا سُمِّيَا بِذَلِكَ; لِأَنَّهُمَا إذَا خَلَعَا بِتَوْكِيلٍ مِنْهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِهِمَا وَتَحَرِّيهِمَا لِلصَّلَاحِ سُمِّيَا حَكَمَيْنِ; لِأَنَّ اسْمَ الْحَكَمِ يُفِيدُ تَحَرِّيَ الصَّلَاحِ فِيمَا جُعِلَ إلَيْهِ وَإِنْفَاذَ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ, فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِهِمَا وَأَنْفَذَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ حُكْمًا مِنْ جَمْعٍ أَوْ تَفْرِيقٍ مَضَى مَا أَنْفَذَاهُ فَسُمِّيَا حَكَمَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. فَلَمَّا أَشْبَهَ فِعْلُهُمَا فِعْلَ الْحَاكِمِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِمَا وُكِّلَا بِهِ عَلَى جِهَةِ تَحَرِّي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَسُمِّيَا حَكَمَيْنِ, وَيَكُونَانِ مَعَ ذَلِكَ وَكِيلَيْنِ لَهُمَا; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدٍ وِلَايَةٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ مِنْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ إلَّا بِأَمْرِهِمَا.

وَزَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ النَّكِيرُ عَلَى الزَّوْجِ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِكِتَابِ اللَّهِ, قَالَ: "وَلَمْ يَأْخُذْهُ بِالتَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِكِتَابِ اللَّهِ"; وَلَيْسَ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَ; لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا قَالَ: "أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا" قَالَ عَلِيٌّ: "كَذَبْت أَمَا وَاَللَّهِ لَا تَنْفَلِتْ مِنِّي حَتَّى تُقِرَّ كَمَا أَقَرَّتْ" فَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الزَّوْجِ تَرْكَ التَّوْكِيلِ بِالْفُرْقَةِ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ بِالْفُرْقَةِ, وَمَا قَالَ الرَّجُلُ لَا أَرْضَى بِكِتَابِ اللَّهِ حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ, وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَرْضَى بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ رِضَى الْمَرْأَةِ بِالتَّحْكِيمِ; وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ عَلَيْهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ إلَّا بَعْدَ تَوْكِيلِهِ بِهَا. قَالَ: "وَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>