للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّالِمِ مِنْهُمَا كَمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الْآيَةَ, قَالَ: "إنَّمَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ لِيُصْلَحَا, فَإِنْ أَعْيَاهُمَا أَنْ يُصْلِحَا شَهِدَا عَلَى الظَّالِمِ بِظُلْمِهِ, وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا الْفُرْقَةُ وَلَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ" وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي فَحْوَى الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا, وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} وَلَمْ يَقُلْ: إنْ يُرِيدَا فُرْقَةً, وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ الْحَكَمَانِ لِيَعِظَا الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَيُنْكِرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَإِعْلَامَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ لِيَأْخُذَ هُوَ عَلَى يَدِهِ, فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الظَّالِمُ أَنْكَرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَقَالَا لَهُ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَهَا لِتَخْلَعَ مِنْكَ, وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةُ قَالَا لَهَا قَدْ حَلَّتْ لَكَ الْفِدْيَةُ, وَكَانَ فِي أَخْذِهَا مَعْذُورًا لِمَا يَظْهَرُ لِلْحَكَمَيْنِ مِنْ نُشُوزِهَا, فَإِذَا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْحَكَمِ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ مَا لَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ وَالْخُلْعِ; كَانَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا وَكِيلَيْنِ جَائِزٌ لَهُمَا أَنْ يَخْلَعَا إنْ رَأَيَا وَأَنْ يَجْمَعَا إنْ رَأَيَا ذَلِكَ صَلَاحًا, فَهُمَا فِي حَالٍ شَاهِدَانِ, وَفِي حَالٍ مُصْلِحَانِ وَفِي حَالٍ آمِرَانِ بِمَعْرُوفٍ وَنَاهِيَانِ عَنْ مُنْكَرٍ وَوَكِيلَانِ فِي حَالٍ إذَا فُوِّضَ إلَيْهِمَا الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُمَا يُفَرِّقَانِ وَيَخْلَعَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ, فَهُوَ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَاَللَّهُ أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>