للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْكَلَامِ تَارَةً وَخُرُوجُهَا أُخْرَى, وَحُكْمُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلَالَةِ فِي دُخُولِهَا أَوْ خُرُوجِهَا. وَسَنَذْكُرُ أَحْكَامَ الْجَنَابَةِ وَمَعْنَاهَا وَحُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إذَا انْتَهَيْنَا إلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْله تَعَالَى: {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً} يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ, أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ لَمْ يَقْدُمْ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ حَتَّى يَقْدُمَ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ وَمَا قَدِمَ. وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا, وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً} فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ صَحِيحًا قَبْلَ طَمْسِ الْوُجُوهِ وَلَمْ يُوجَدْ الطَّمْسُ أَصْلًا, وَكَانَ ذَلِكَ إيمَانًا قَبْلَ طَمْسِ الْوُجُوهِ وَمَا وُجِدَ; وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [القصص: ٣] فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعِتْقِ لِلرَّقَبَةِ أَمْرًا صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَسِيسُ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا وَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ لِلْيَهُودِ وَلَمْ يُسْلِمُوا وَلَمْ يَقَعْ مَا تُوُعِّدُوا بِهِ. قِيلَ لَهُ: إنَّ قَوْمًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا, مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ وَزَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ وَأَسَدُ بْنُ سَعْيَةَ وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَمُخَيْرِيقٌ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ, وَإِنَّمَا كَانَ الْوَعِيدُ الْعَاجِلُ مُعَلَّقًا بِتَرْكِ جَمِيعِهِمْ الْإِسْلَامَ; وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَعِيدَ فِي الْآخِرَةِ; إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ تَعْجِيلُ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا إنْ لَمْ يُسْلِمُوا.

قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: "هُوَ قَوْلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ, وَقَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى" وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "هُوَ تَزْكِيَةُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَنَالَ بِهَا شيئا من الدنيا".

<<  <  ج: ص:  >  >>