للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْعَقْدُ مَا يَلْزَمُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ إنَّمَا كَانَتْ عَقْدًا; لِأَنَّ الْحَالِفَ قَدْ أَكَّدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ, وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي الْمَاضِي; أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: "وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّ زَيْدًا" فَهُوَ مُؤَكِّدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ كَلَامَهُ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: "وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا" كَانَ مُؤَكِّدًا بِهِ نَفْيَ كَلَامِهِ مُلْزِمًا نَفْسَهُ بِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ; فَسُمِّيَ مِنْ أَجْلِ التَّأْكِيدِ الَّذِي فِي اللَّفْظِ عَقْدًا تَشْبِيهًا بِعَقْدِ الْحَبْلِ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ وَالِاسْتِيثَاقُ بِهِ, وَمِنْ أَجْلِهِ كَانَ النَّذْرُ عَقْدًا وَيَمِينًا; لِأَنَّ النَّاذِرَ مُلْزِمٌ نَفْسَهُ مَا نَذَرَهُ وَمُؤَكِّدًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ. وَمَتَى صُرِفَ الْخَبَرُ إلَى الْمَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَقْدًا كَمَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ إيجَابًا وَإِلْزَامًا وَنَذْرًا, وَهَذَا يُبَيِّنُ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَالْإِلْزَامِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي, أَنَّ ضِدَّ الْعَقْدِ هُوَ الْحَلُّ, وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَدْ وَقَعَ لَا يُتَوَهَّمُ لَهُ حَلٌّ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ بَلْ يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِيهِ, فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْحَلُّ ضِدًّا لَمَا وَقَعَ فِي الْمَاضِي عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدًا لَكَانَ لَهُ ضِدٌّ مِنْ الْحَلِّ يوصف به كالعقد على المستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>