للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِلَهٍ; إذْ لَمْ يَكُنْ سَائِرُ النَّاسِ آلِهَةً وَهُوَ مِثْلُهُمْ فِي جَوَازِ الْفَنَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ عَلَيْهِمْ.

قَوْله تَعَالَى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: "أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "أَرْضُ الطُّورِ". وَقَالَ قَتَادَةُ: "أَرْضُ الشَّامِّ". وَقِيلَ: "دِمَشْقُ وَفِلَسْطِينُ وَبَعْضُ الْأُرْدُنِّ". وَالْمُقَدَّسَةُ هِيَ الْمُطَهَّرَةُ; لِأَنَّ التَّقْدِيسَ التَّطْهِيرُ, وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ الْمُقَدَّسَةَ لِأَنَّهَا طَهُرَتْ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الشِّرْكِ وَجُعِلَتْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ قيل: لم قال: {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} وقد قال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ} ؟ قِيلَ لَهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ إِسْحَاق أَنَّهَا كَانَتْ هِبَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ثُمَّ حَرَمَهُمْ إيَّاهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَهَا عَلَى شَرِيطَةِ الْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ, فَلَمَّا عَصَوْا حَرَمَهُمْ إيَّاهَا. وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الْعُمُومِ.

قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْجَبَّارَ هُوَ مَنْ الْإِجْبَارِ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ, وَجَبَرَ الْعَظْمَ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الصَّلَاحِ, وَالْجُبَارُ هَدْرُ الْأَرْشِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْكُرْهِ, وَالْجُبَارُ مِنْ النَّخْلِ مَا فَاتَ الْيَدَ طُولًا لِأَنَّهُ كَالْجَبَّارِ مِنْ النَّاسِ, وَالْجَبَّارُ مِنْ النَّاسِ الَّذِي يُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُ. وَالْجَبَّارُ صِفَةُ مَدْحٍ لَهُ تَعَالَى وَهُوَ ذَمٌّ فِي صِفَةِ غَيْرِهِ; لِأَنَّ غَيْرَهُ يَتَعَظَّمُ بِمَا لَيْسَ لَهُ وَالْعَظَمَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ الْجَبَّارُ الْمُتَعَظِّمُ بِالِاقْتِدَارِ; وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ جَبَّارًا, وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَاتَه يَدْعُو الْعَارِفَ بِهِ إلَى تَعْظِيمِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَبَّارِ وَالْقَهَّارِ أَنَّ فِي الْقَهَّارِ مَعْنَى الْغَالِبِ لِمَنْ نَاوَأَهُ أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُنَاوِئِ بِعِصْيَانِهِ إيَّاهُ.

قَوْله تَعَالَى: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} روي عن قتادة في قوله: {يَخَافُونَ} أَنَّهُمْ يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَلْمِ: "يَخَافُونَ الْجَبَّارِينَ" وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ قَوْلِ الْحَقِّ عِنْدَ الْخَوْفِ وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ; وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ إذَا رَآهُ وَعَلِمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُبْعِدُ مِنْ رِزْقٍ وَلَا يُدْنِي مِنْ أَجَلٍ" وَقَالَ لِأَبِي ذَرٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: "وَأَنْ لَا يَأْخُذَك فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ" وَقَالَ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ, فَقَالَ: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".

قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} . قوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ بِمَعْنَى" وَرَبِّك مُعِينٌ لَك". وَالثَّانِي: الذَّهَابُ الَّذِي هُوَ النُّقْلَةُ; وَهَذَا تَشْبِيهٌ وَكُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ, وَهُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَامِ; لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِنْكَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>