للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْخَيْبَةِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ وَلَا الْحُكْمَ بِالْغَوَايَةِ الَّتِي هِيَ ضَلَالٌ; لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.

قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ والسدي: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} مِنْ قِبَلِ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، مِنْ جِهَةِ حَسَنَاتِهِمْ وَسَيِّئَاتِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ حَيْثُ يُبْصِرُونَ وَمِنْ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ. وَقِيلَ: "مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يُمْكِنُ الِاحْتِيَالُ عَلَيْهِمْ". وَلَمْ يَقُلْ مِنْ فَوْقِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْحَقِيقَةُ.

قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} قَرَنَ قُرْبَهُمَا الشَّجَرَةَ، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ شَرْطُ الذِّكْرِ فِيهِ وَتَعَمُّدُ الْأَكْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ; لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ فِيمَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ. وَلَمْ يَكُنْ أَكْلُهُمَا لِلشَّجَرَةِ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً بَلْ كَانَتْ صَغِيرَةً مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا نَسِيَا الْوَعِيدَ وَظَنَّا أَنَّهُ نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ لَا إيجَابٍ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه:١١٥] . وَالثَّانِي: أَنَّهُ أُشِيرَ لَهُمَا إلَى شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا وَظَنَّا الْمُرَادَ الْعَيْنَ وَكَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسُ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخَذَ ذَهَبًا وَحَرِيرًا فَقَالَ: "هَذَانِ مُهْلِكَا أُمَّتِي" وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْسَ لَا الْعَيْنَ دُونَ غَيْرِهَا.

قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى} هَذَا خِطَابٌ عَامٌّ لِسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ كَمَا كَانَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء:١} خِطَابًا لِمَنْ كَانَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْأَعْصَارِ، إلَّا أَنَّهُ لِمَنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ عَلَى شَرْطِ الْوُجُودِ وَبُلُوغِ كَمَالِ الْعَقْلِ.

قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يَدُلُّ عَلَى فَرْضِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ، لِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْنَا لِبَاسًا لِنُوَارِيَ سَوْآتِنَا بِهِ. وَإِنَّمَا قال: {أَنْزَلْنَا} لِأَنَّ اللِّبَاسَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ جُلُودِ الْحَيَوَانِ وَأَصْوَافِهَا، وَقِوَامُ جَمِيعِهَا بِالْمَطَرِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ. وَقِيلَ إنَّهُ وَصَفَهُ بِالْإِنْزَالِ لِأَنَّ الْبَرَكَاتِ تُنْسَبُ إلَى أَنَّهَا تَأْتِي مِنْ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:٢٥] . وَقَوْلُهُ: {رِيشاً} قِيلَ إنَّهُ الْأَثَاثُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ نَحْوُ الْفُرُشِ وَالدِّثَارِ. وَقِيلَ: الرِّيشُ مَا فِيهِ الْجَمَالُ، ومنه ريش الطائر. وقوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} قِيلَ فِيهِ إنَّهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ; وَسَمَّاهُ لِبَاسًا لِأَنَّهُ يَقِي الْعِقَابَ كَمَا يَقِي اللِّبَاسُ مِنْ الثِّيَابِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: "هُوَ الْإِيمَانُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>