وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "لَيْسَتْ بِحَتْمٍ وَلَكِنْ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ". وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ: "إنِّي لَأَدَعُ الْأَضْحَى وَأَنَا مُوسِرٌ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ". وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: "الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى مُسَافِرٍ" وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "كَانُوا إذَا شَهِدُوا ضَحَّوْا وَإِذَا سَافَرُوا لَمْ يُضَحُّوا". وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: "الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: "الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْيَسَارِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ، وَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ" وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهِيَ سُنَّةٌ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: "عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ أُضْحِيَّةٌ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: "يُؤْثِرُ بِهَا أَبَاهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُضَحِّيَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَنْ يُوجِبُهَا يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام: ١٦٢, ١٦٣] قَدْ اقْتَضَى الْأَمْرُ بِالْأُضْحِيَّةِ; لِأَنَّ النُّسُكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُرَادِ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا فَاطِمَةُ اشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ من دمها كل ذنب عملتيه وقولي: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ". وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يقول عند ذبح الأضحية: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ يَوْمَ الْأَضْحَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي عَجَّلْت بِنُسُكِي. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ" فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا النُّسُكَ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِقَوْلِهِ: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام: ١٦٣] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَيُحْتَجُّ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢] قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَرَادَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَبِالنَّحْرِ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ وَاجِبٌ علينا لقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ} وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]
وَيُحْتَجُّ لِلْقَائِلِينَ بِإِيجَابِهَا مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ بِمَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ يَسَارٌ فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا". وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ مَرْفُوعًا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute