وتصادقه الأحوال العارضة والصنائع، فيجتعوا عليه ويُقبلوا بكل قلوبهم إليه، فلا يأباه في جزيرة العرب إنسان، ولا يختلف فيه منهم اثنان، ثم ينبثون في أرجاء الأرض بطولها والعرض فيظهر بهم على سائر الأديان، ويبيد على أيديهم أهل الكفران، في سائر البلدان، ويزول كل طغيان، فيكون ظهورهم في هذا الوقت وضعف المؤمنين بعد أن كان سبباً لازديادهم من الكفر عظة لهم ولكل من يأتي بعدهم يوجب الثبات في محال الزلزال علماً بأن الله أجرى عادته أن يكون للباطل ريح تخفق ثم تسكن، ودولة تظهر ثم تضمحل، وصولة تجول ثم تحول.
ولما كان هذا القول منبهاً على أن في الآفاق والأنفس من الآيات المرئية التي يقرأها أولو الأبصار بالبصائر، ويتأملها بأعين السرائر، أمراً لا يحيط به الوصف، فكان حادياً على تجريد الأفكار للنظر والاعتبار، والوقوف على بعض ما في ذلك من لطائف الأسرار، كان كأنه قيل: ألم يروا بعقولهم ما في ذلك من الأدلة على أن القرآن من عند الله فيكفيهم عن شهادة شيء خارج عن أنفسهم، عطف عليه قوله:{أو لم يكف} وأكد بإدخال الجار، وحقق الفاعل فقال مؤكداً بالباء ومحققاً أنه الفاعل صارفاً القول