للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه، وجعلوا الروح من الأعراض، وردوا الأخبار في خلق الروح قبل الجسد، والعقل قبل الخلق (١) ، واعتمدوا على حدسهم، وما يؤدي إليه نظرهم، ثم يعرضون عليه النصوص، فما وافقه قبلوه، وما خالفه ردوه، ثم ساق الآيات ونظائرها مما فيه الأمر بالتبليغ.

قال: وكان مما أمر بتبليغه التوحيد، بل هو أصل ما أمر به، فلم يترك شيئاً من أمور الدين أصوله، وقواعده، وشرائعه إلا بلغه، ثم لم يدع إلى الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض، ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد فما فوقه.

فعرف بذلك أنهم ذهبوا خلاف مذهبهم، وسلكوا غير سبيلهم، بطريق محدث مخترع، لم يكن عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا أصحابه – رضي الله عنهم -.

ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن، والقدح، ونسبتهم إلى قلة المعرفة، واشتباه الطرق.

فالحذر من الاشتغال بكلامهم، والاكتراث بمقالاتهم، فإنها سريعة التهافت، كثيرة التناقض، وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا وتجد لخصومهم عليه كلاماً يوازيه، أو يقاربه، فكل بكل مقابل، وبعض ببعض معارض، وحسبك من قبيح ما يلزم من طريقهم أنا إذا جربنا على ماقالوه، وألزمنا الناس بما ذكروه، لزم من ذلك تكفير العوام جميعاً؛ لأنهم لا يعرفون إلا الاتباع المجرد.

ولو عرض عليهم هذا الطريق ما فهمه أكثرهم، فضلاً عن أن يصير منهم صاحب نظر.


(١) لم يصح بذلك خبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، بل الأخبار تدل على نقيضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>