وذلك غير مخلوق، ورمي بأنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، وقد صرح بأن ذلك كذب عليه.
قال شيخ الإسلام:(إذا قرأ الناس كلام الله، فالكلام في نفسه غير مخلوق إذا كان الله قد تكلم به، وإذا قرأه المبلغ لم يخرج بذلك عن كونه كلام الله، فإن الكلام كلام من قاله مبتدئاً، أمراً يأمر به، أو خبراً يخبره، وليس هو كلام المبلغ له عن غيره، إذ ليس على الرسول إلا البلاغ المبين.
وإذا قرأه المبلغ فقد يشار إليه من حيث هو كلام الله، فيقال: هذا كلام الله، مع قطع النظر عما بلغه به العباد من صفاتهم، وقد يشار إلى نفس صفة العبد، كحركته، وصوته، وقد يشار إليهما.
فالمشار إليه الأول غير مخلوق؛ لأنه كلام الله، والمشار إليه الثاني مخلوق، لأنه صفة العبد، والمشار إليه الثالث ومنه ما هو مخلوق، ومنه ما ليس بمخلوق.
وما يوجد في كلام الآدميين من نظير هذا، هو نظير صفة العبد، لا نظير صفة الرب.
وإذا قال قائل: القاف في قوله تعالى: {وَأقِم الصَّلاةَ لِذِكرِي} كالقاف في قول الشاعر ((قفا نبك من ذكرى حبيب؟)) .
قيل: ما تكلم الله به، وسمع منه، لا يماثل صفة المخلوقين.
ولكن إذا بلغنا كلام الله، فإنما نبلغه بصفاتنا، وصفاتنا مخلوقة، والمخلوق يماثل المخلوق.
وكلام المتكلم في نفسه واحد، فإذا بلغه المبلغون تختلف أصواتهم به، فإذا أنشد منشد قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
كان هذا الكلام كلام لبيد لفظه ومعناه، مع أن أصوات المنشدين له تختلف، وتلك الأصوات ليست صوت لبيد.