وكذلك من روى حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – بلفظه، كقوله:((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) كان هذا كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لفظه ومعناه، ويقال لمن رواه: أدى الحديث بلفظه، وإن كان صوت المبلغ ليس هو صوت الرسول.
فالقرآن أولى أن يكون كلام الله لفظه ومعناه، وإذا قرأه القراء فإنما يقرؤونه بأصواتهم.
ولهذا قال الإمام أحمد، وغيره من أئمة السنة: من قال: اللفظ بالقرآن – أو لفظي بالقرآن – مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: إنه غير مخلوق، فهو مبتدع؛ لأن اللفظ يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظاً، وذلك فعل العبد، ويراد به القول الذي يلفظ به اللافظ، وذلك كلام الله، لا كلام القارئ، فمن قال: إنه مخلوق فقد قال: إن الله لم يتكلم بهذا القرآن، وإن هذا الذي يقرأه المسلمون ليس هو كلام الله.
ومعلوم أن هذا مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول.
وأما صوت العبد فهو مخلوق، وقد صرح أحمد وغيره أن الصوت المسموع صوت العبد، ولم يقل قط: إن من قال: صوتي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإنما قال: من قال: لفظي بالقرآن، والفرق بينهما واضح.
والفرق بين لفظ الكلام وصوت مبلغه فرق واضح.
فكل من بلغ كلام غيره بلفظ ذلك الغير، فإنما بلغ لفظ ذلك الغير لا لفظ نفسه، وهو إنما بلغه بصوت نفسه، لا بصوت ذلك الغير.
واللفظ، والقراءة، والتلاوة، والكتابة، ونحو ذلك، لما كان يراد به المصدر الذي هو حركات العباد، وما يحدث عنها من أصواتهم، وشكل المداد، ويراد به نفس الكلام الذي يقرأه التالي، ويتلوه، ويلفظ به، ويكتبه، منع أحمد وغيره من إطلاق النفي والإثبات الذي يقتضي جعل صفات الله مخلوقة، أو جعل