للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت)) .

وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، كما في الشمائل للترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي داود، واللفظ له من حديث أم هانئ: ((كنت أسمع صوت النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يقرأ، وأنا نائمة على فراشي، يرجع القرآن)) .

والذي يظهر: أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل، فعند ابن أبي داود عن علقمة، قال: بت مع عبد الله بن مسعود في داره، فنام، ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه، لا يرفع صوته، ويسمع من حوله، ويرتل ولا يرجع.

قال ابن أبي حمزة: معنى الترجيع: تحسين التلاوة، لا ترجيع الغناء؛ لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة.

قال: ((وفي الحديث: ملازمته – صلى الله عليه وسلم – للعبادة؛ لأنه حالة ركوبه وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة، وفي جهره في ذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، مثل إرادة التعليم، وإيقاظ الغافل، ونحو ذلك)) (١) .

والمقصود أن الترجيع فعل الرسول –صلى الله عليه وسلم – بحركة لسانه وشفتيه يرجع كلام ربه الذي أبلغه الأمة عن الله – تعالى -.

فالمسموع بصوته هو كلام الله، والصوت هو صوت المبلغ، ولهذا يرفعه إن شاء، ويخفضه، ويرجعه إن شاء ولا يرجعه؛ لأنه فعله يتعلق بإرادته، وهو يبلغ كلام الله بأي وجه كان من أوجه التبليغ، بصوته الذي يؤدي به


(١) ((الفتح)) (٩/٩٢) ببعض التصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>