وينميه، ويسمعه ويقبله، وأكَّال للسحت غير مبال بعاقبته، وهم مع ذلك أهل تحريف وتزييف؛ اتباعاً لأهوائهم، وبعداً عن الحق، ومحاربة له، يوصي بعضهم بعضاً بعدم قبول ما يخالف أهواءهم، وأنظمتهم التي وضعوها وفق ما يشتهون، وما توحيه إليهم شياطينهم أولئك الذين أراد الله – تعالى – فتنتهم، فلا أحد يملك هدايتهم؛ لأن قلوبهم نجسة فلا تقبل طهارة الإيمان، وإنما هي محل للكفر وكل خلق خبيث.
وقد خير الله رسوله بين الحكم بينهم وبين الإعراض عنهم، وأمره إن حكم أن يحكم بينهم بالعدل، وإن كانوا أعداء لله ورسوله، فإن الله حكم عدل يحب العدل وأهله.
وأخبر تعالى أن أمر هؤلاء عجيب، كيف يحكمونك وعندهم كتاب الله التوراة فيها حكمه واضح لهم، ولكنهم يعرضون عنه طلباً لما يهوونه، وليس هذا شأن المؤمنين، ولكنه نهج الكافرين.
روى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: ((زنى رجل من اليهود، وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتياً دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، قلنا: فتيا نبي من أنبيائك.
قال: فأتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب، فقال: ((أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه - والتجبية: أن يحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما -.
قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت، ألظ به النشدة، فقال: اللهم إذ نشدنا، فإنا نجد في التوراة الرجم.