للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكرم من غير استحقاق لهم عليه، فإيجادهم من العدم فضل منه، وإرسال الرسل إليهم تدلهم على الحق فضل منه، وهدايته

لهم فضل منه، وجميع ما ينالون به الخير من قواهم وغيرها بفضله، وكذلك إثابته لهم على أعمالهم الصالحة فضل منه وكرم، وإن كان أوجب ذلك على نفسه، كما حرم على نفسه الظلم، قال تعالى: {كَتبَ رَبُّكُم عَلَى نَفسِهِ الرَّحمَةَ} وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلينَا نَصرُ المُؤمِنينَ} ، فهو واجب بإيجابه ووعده، وهو لا يخلف وعده، وكل ذلك بفضله ومنته، والخلق لا يوجبون على الله شيئاً، ولا يحرمون عليه شيئاً، بل هم أعجز من ذلك، وأقل.

فكل ما يصيب الخلق من النعم فهي من فضل الله، وكرمه، وكل ما يصيبهم من النقم فهي بعدل، وهم يستحقونها جزاء لأعمالهم، ويعفو الله عن كثير.

ولا بد للعبد أن يجمع بين أمر الله وقدره، ووعده، ووعيده؛ لأن من أعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد، معتمداً على القدر، فهو ضال، ومن حاول القيام بالأمر والنهي، وأعرض عن القدر، فهو أيضا ضال، ولهذا أمر الله عباده أن يعبدوه مستعينين به على ذلك، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} .

فيعبدون اتباعا لأمره، ويستعينونه إيماناً بالقدر، وذلك أنه لا يقع شيء إلا بعد مشيئته، وهو الخالق لكل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، وإن كانت تقع باختيارهم وقدرتهم، فهو الخالق لها، ولا تقع إلا إذا شاء، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالِمينَ} (١) ، وإذا لم يعن الله العبد على الفعل لم يستطعه.


(١) الآية آخر سورة التكوير.

<<  <  ج: ص:  >  >>