للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن ظن أنه يطيع الله بلا معونته، كما تزعم القدرية المجوسية فهو جاحد لقدرة الله التامة، ومشيئته الشاملة لكل شيء، وخلقه لكل شيء.

ومن ظن أنه إذا أعين على ما يريد، ويسر له ذلك كان محموداً، محبوباً، سواء وافق ذلك الأمر الشرعي أو خالفه، فقد جحد دين الله وكذب كتبه ورسله، ووعده، ووعيده، واستوجب غضب الله وعقابه، وصار من الذين قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} (١) .

قوله: ((فيم يعمل العاملون؟)) أي: أعمال العباد، هل قدرها الله عليهم وسبق علم الله بها، وكتابته لها، فهم يعملون في أشياء قضاها الله وفرغ منها، فلا يمكن أن يقع منهم إلا ما قدره، وقضاه؟ وهذا هو الواقع.

أو أنهم يعملون في شيء لم يقدر، ولم يكتب عليهم، بل هو موكول إليهم؟

وذكر هذا الحديث في القدر بلفظ: ((قال رجل: يا رسول الله، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم، قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له، أو لما ييسر له)) (٢) .

فقوله: ((فيم يعمل العاملون؟)) مرتب على قول النبي – صلى الله عليه وسلم – إنه قد علم أهل الجنة، من أهل النار، فكأنه وقع في نفسه أنه ما دام قد فرغ من ما يصير إليه العباد، وعلم الله أهل السعادة، وأهل الشقاء، قبل وجودهم، فلماذا العمل، والإنسان لا بد أن يصير إلى ما كتب عليه، فهي أمور منتهية، ولابد من حصولها؟


(١) الآية ١٤٨ من سورة الأنعام.
(٢) ((البخاري)) (٨/١٠٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>