فأجابه النبي – صلى الله عليه وسلم – بما أزال هذا الإشكال بقوله:(كل يعمل لما خلق له)) ، يعني أن أهل الجنة لا بد أن يعملوا أعمالاً يستحقون بها دخول الجنة، وأهل النار لا بد أن يعملوا أعمالاً يستحقون بها دخول النار.
وقد علم الله أن من يكون من أهل الجنة يعمل عملهم، وييسر ذلك له، ويتفضل عليه، فيحبب إليه الإيمان، ويزينه في قلبه، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، ويجعله راشداً مطيعاً مهتدياً، وهذا كله فضل الله ومنته، وهو معنى تيسيره لليسرى، وأما أهل النار فقد علم الله – تعالى – أنهم يكفرون، ويبغضون الإيمان، ويأبونه، ويفعلون ذلك اختياراً منهم، وحباً له، بعكس أهل الإيمان، وهو معنى تيسيرهم للعسرى، كما قال تعالى:{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {٥} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {٦} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {٧} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {٨} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {٩} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل ميسر لما خلق له)) .
ووجه الاستدلال من الحديث: أن قوله: ((كل ميسر لما خلق له)) يدل على أن العبد له عمل ييسر له فيعمله، فيستحق عليه الجزاء، وذلك الجزاء هو الذي خلق العبد له، إما الجنة وإما النار، فالعبد فاعل على الحقيقة، فهو المؤمن، والمصلي، والعامل، حقيقة، وهو الكافر، والمنافق، والعاصي، والسارق، والزاني، حقيقة، ولذلك استحق العذاب، أو الثواب.
وكذلك هو القارئ إذا قرأ كتاب الله – تعالى -، فالقراءة فعله، وكسبه، وعمله، والمقروء: كتاب الله وصفته الذي تكلم به، وقاله، وأنزله على رسول – صلى الله عليه وسلم -، وقد يسر الله القرآن للذكر، فإذا تذكره العبد، وقرأه، وعمل به، فذلك عمله، يضاف إليه، ويجزى عليه.
قال الإمام البخاري - رحمه الله -: ((ويقال لمن زعم أني لا أقول: القرآن مكتوب في المصحف، ولكن القرآن بعينه في المصحف، يلزمك أن تقول: