وحقيقة قول هؤلاء: أن القرآن الذي نزل به جبريل على محمد مخلوق لم يتكلم الله به، وشبهتهم: أن أفعالنا وأصواتنا مخلوقة، ونحن إنما نقرؤه بحركاتنا وأصواتنا.
ثم قابل هؤلاء قوم أرادوا رد باطلهم، فوقعوا في باطل آخر، حيث قالوا: تلاوتنا للقرآن غير مخلوقة، وألفاظنا به غير مخلوقة (١) ؛ لأن هذا هو القرآن، وهو غير مخلوق.
ولم يفرقوا بين الاسم المطلق، والاسم المقيد بالدلالة، فأنكر الإمام أحمد على هؤلاء وبَدّعهم، وأحمد وسائر الأئمة ينكرون أن يكون شيء من كلام الله مخلوقاً، حروفه أو معانيه، وينكرون أن يكون القرآن المنزل ليس هو كلام الله، كما ينكرون على من يجعل شيئاً من أفعال العباد أو أصواتهم غير مخلوق.
وكلام أحمد في مسألة التلاوة، والقراءة، والإيمان، من نمط واحد، منع إطلاق القول بأن ذلك مخلوق؛ لأنه يتضمن القول بأن من صفات الله ما هو مخلوق، ولما فيه من الذريعة، ومنع أيضاً إطلاق القول بأنه غير مخلوق؛ لما فيه من البدعة والضلال.
وذلك أن التلاوة، والقراءة، واللفظ، قد يراد به مصدر: تلا يتلو تلاوة، وقرأ يقرأ، قراءة، ولفظ، يلفظ، لفظاً، ومسمى المصدر هو فعل العبد، وحركاته، وذلك مخلوق، ليس هو القول المسموع المتلو.
وقد يراد بالتلاوة، والقراءة، واللفظ: المتلو، المقروء، المتلفظ به، وهو المسموع، وهذا هو كلام الله – تعالى – ليس بمخلوق.
(١) ممن يقول بذلك محمد بن داود المصيصي، وأبو حاتم الرازي، وأبو عبد الله بن حامد، وأبو نصر السجزي، وأبو عبد الله بن منده، وأبو إسماعيل الهروي، وأبو العلاء الهمداني، وأبو الفرج المقدسي: انظر ((مجموع الفتاوى)) (١٢/٣٦١) .