ومنهم: من يجعل المبدل من التوراة والإنجيل كثيراً منهما، وربما جعل بعضهم المبدل أكثرهما، لا سيما الإنجيل، فإن الطعن فيه أكثر، وأظهر منه في التوراة.
ومن هؤلاء، من يسرف، حتى يقول: إنه لا حرمة لشيء منهما، بل يجوز الاستنجاء بهما.
ومنهم من يقول: الذي بدلت ألفاظه، قليل منهما، وهذا أظهر، والتبديل في الإنجيل أظهر، بل كثير من الناس يقول: هذه الأناجيل ليس فيها من كلام الله، إلا القليل، والإنجيل الذي هو كلام الله ليس هو هذه الأناجيل.
والصحيح: أن هذه التوراة، والإنجيل، الذي بأيدي أهل الكتاب، فيه ما هو حكم الله، وإن كان قد بدل وغيِّر بعض ألفاظهما؛ لقول الله – تعالى -:: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} ، إلى قوله:{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ}(١) فعلم: أن التوراة التي
كانت موجودة، بعد خراب بيت المقدس، بعد مجيء بختنصر، وبعد مبعث المسيح، وبعد مبعث محمد – صلى الله عليه وسلم – فيها حكم الله.
والتوراة التي كانت عند يهود المدينة، على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وإن قيل: إنه غيِّر بعض ألفاظها بعد مبعثه، فلا نشهد على كل نسخة في العالم بمثل ذلك، فإن هذا غير معلوم لنا، وهو متعذر، بل يمكن تغيير كثير من النسخ، وإشاعة ذلك عند الاتباع، حتى لا يوجد عند كثير من الناس إلا ما غُيِّر، ومع هذا فكثير من نسخ التوراة والإنجيل متفقة في الغالب، وإنما تختلف في اليسير من ألفاظها.