للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ، بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم – ممكن، لا يمكن أحدٌ أن يجزم بنفيه، ولا يقدر أحد من اليهود، والنصارى، أن يشهد بأن كل نسخة في العالم من الكتابين، متفقة الألفاظ؛ إذ لا سبيل إلى علم ذلك.

وذلك أن اليهود قبل مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى عهده، وبعده، منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، وعندهم نسخ كثيرة من التوراة.

وكذلك النصارى، ولم يتمكن أحد من جمع هذه النسخ وتبديلها، ولو كان هذا ممكناً، وواقعاً، لكان من الوقائع العظيمة، التي تتوافر الدواعي على نقلها.

ومثل التوراة، الإنجيل، قال الله – تعالى -: {وَليَحكُم أَهلُ الإِنجِيلِ بِما أَنَزَلَ اللهُ فِيهِ} (١) فعلم، أن في الإنجيل حكماً، أنزله الله – تعالى – لكن الحكم من باب الأمر والنهي، ولا يمتنع أن يكون التغيير والتبديل في باب الإخبار، وهو الذي وقع فيه التبديل لفظاً.

وأما الأحكام التي في التوراة، فما يكاد أحد يدعي التبديل في ألفاظها (٢) .

وبهذا يتبين: أن ما ذكره البخاري- رحمه الله – أحد أقوال العلماء، وهو أن ألفاظ كتب الله السابقة للقرآن، لم تغير ولم تبدل، وإنما حرفت معانيها، وأولت على غير تأويلها، فيكون معنى التحريف، الذي ذكره الله – تعالى – عنهم: هو تحريف المعاني، وصرفها عن مراد الله بها، إلى ما تهوى نفوسهم، وما يريدون حسب رغباتهم.


(١) الآية ٤٧ من سورة المائدة.
(٢) ((الجواب الصحيح)) (١/٣٧٩-٣٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>