للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومراد البخاري – رحمه الله – نسبة الخلق إليهم فعلاً لهم حقيقة، مع أنهم مخلوقون لله – تعالى – فالله خالقهم، وخالق أفعالهم، ولكنه جعلهم فاعلين قادرين على فعلهم، باختيارهم وقدرتهم التي خلقها الله فيهم، ولهذا عذبهم على ذلك، ولو لم يكن فعلاً لهم حقيقة ما عذبوا عليه.

قال الحافظ: ((الذي يظهر: أن مناسبة ذكر حديث المصورين، لترجمة هذا الباب، من جهة أن من زعم أنه يخلق فعل نفسه، لو صحت دعواه لما وقع الإنكار على هؤلاء، فلما كان أمرهم بنفخ الروح فيما صوروه، أمر تعجيز، ونسبة الخلق إليهم، إنما هي على سبيل التهكم والاستهزاء، دل على فساد قول من نسب خلق فعله إليه استقلالاً)) (١) .

والصواب ما تقدمت الإشارة إليه من مراد البخاري – رحمه الله – أن الأفعال المسندة إليهم، أفعال لهم حقيقة، وهي مخلوقة لله – تعالى – فإن الله خالق كل فاعل وفعله، وهو خالق كل شيء، فلا يكون العباد خالقين لأفعالهم استقلالاً وإيجاداً، وإنما هم فاعلون لها، بجعل الله لهم فاعلين، وإقداره لهم على ذلك، فجعل القدرة لهم على فعلها، وأوجد فيهم الإرادة لها والاختيار، فصاروا فاعلين لها بذلك، حيث باشروا الفعل بأنفسهم، فهو فعلهم حقيقة، ولذلك استحقوا عليها الثواب أو العقاب.

وقال الكرماني: ((لعل غرض البخاري، في تكثير هذا النوع، في هذا الباب وغيره، بيان جواز ما نقل عنه أنه قال: لفظي بالقرآن مخلوق – إن صح عنه -)) (٢) .

قال الحافظ: ((قلت: قد صح عنه أنه تبرأ من هذا الإطلاق، فقال:


(١) ((الفتح)) (١٣/٥٣٥) .
(٢) ((شرح الكرماني)) (٢٥/٢٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>